حسين القاضى
الاتحاد العالمى.. دور غامض وتوجهات مشبوهة (1)
تم تأسيس الاتحاد العالمى لعلماء المسلمين فى قطر سنة 2004م، ليعمل كمؤسسة «موازية» لمؤسسة الأزهر الشريف، وتولى رئاسته الشيخ «القرضاوى»، واليوم يرأسه الدكتور «أحمد الريسونى»، حيث أرادت قطر من الاتحاد أن تصنع هيئة دينية موازية، وأعطته زخماً كبيراً، وتفرع عن هذا الاتحاد عدد كبير من الهيئات والروابط والاتحادات فى السودان وموريتانيا والصومال وليبيا وتونس والمغرب ولبنان والعراق وفلسطين، وامتدت إلى أوروبا، فتأسس المجلس الأوروبى للإفتاء والبحوث، الذى انبثق عنه لجان فى فرنسا وألمانيا وبريطانيا، وتأسس اتحاد المنظمات الإسلامية الذى يضم عشرات التنظيمات التابعة لجماعة الإخوان، وأُريد لهذه الهيئات أن تكون ذراعاً لمشاريع قطر السياسية.
وأمامنا شهادة مهمة للدكتور «جاسر العودة» عضو مجلس أمناء الاتحاد، الذى اعترف بأن بيانات الاتحاد ذات طبيعة سياسية حزبية لخدمة توجُّه معين، وهذا جعل عالماً كبيراً هو الشيخ «عبدالله بن بيه» يقدم استقالته من الاتحاد، ولا يخفى أن الدول المقاطعة لقطر أعلنت أن الاتحاد كيان إرهابى.
وحسب ما جاء فى الصفحة الرسمية للاتحاد، فإن أول جمعية عمومية عام 2004م عُقدت فى لندن، وهنا علامة استفهام، فأعضاء الاتحاد وأولهم «القرضاوى» انتقدوا مؤتمر أهل السنة والجماعة الذى عُقد فى الشيشان فى 2016م، وقال «القرضاوى»، فى بيان منشور على صفحته وصفحة الاتحاد يوم 2 سبتمبر 2016م: «إن المؤتمر عُقد فى جروزنى برعاية رئيس الشيشان التابع لحكومة روسيا، فى الوقت الذى تقتل فيه الطائرات والصواريخ الروسية إخواننا السوريين، وتزهق أرواحهم، وتدمر بيوتهم فوق رؤوسهم»، ونسى «القرضاوى» أن أول جمعية عمومية تأسيسية للاتحاد كانت فى «لندن»، فى الوقت الذى كانت فيه الطائرات البريطانية تقتل العراقيين، وتزهق أرواحهم، وتدمر بيوتهم فوق رؤوسهم، مع أن ما قاله عن الشيشان غير صحيح.
عمل الاتحاد على نشر الشقاق، وحرَّض على هدم المؤسسات فى مصر، وفرَّق ولم يجمع، وضم «إخوان» ومتعاطفين مع الإخوان، وقدم إسلاماً مزاجياً، وحرك غريزة الصدام لدى الشباب، وأصدر فتاوى كأنه فرع من فروع تنظيم الإخوان، حتى إنه نشر خبراً على موقعه يوم 25 أبريل 2015م يتحدث عن خروج مظاهرات ليلية فى عدة مدن مصرية لرفض ما سمّاه: الانقلاب العسكرى، وخبر كهذا مكانه الصحف والمواقع الإخبارية وليس مكانه هيئة علمية دينية!
وجاء فى مقدمة مشروع الاتحاد أن «العلماء فى تاريخنا هم ملاذ الأمة من الأزمات، يحرِّضونها على الجهاد»، مع أن الأمة فى حاجة ماسة لتحريض الناس على التعاون والبناء والعمارة والنهضة والإحياء والتزكية، إلا أن الاتحاد يُحرضها على الجهاد، لغلبة الفكر الإخوانى، والجهاد دعوة عظيمة فى حد ذاتها، إلا أنهم حولوا الجهاد إلى عنف، وطريق للاستقطاب، وفى هذا الاتجاه أصدر الاتحاد بياناً يوم 22 أغسطس 2013م قال فيه: «ندعو علماء الأمة إلى بيان أن مقاومة الظالمين والسفاحين جهادٌ كبير»، والمقصود بالظالمين السفاحين عندهم الجيش المصرى!
إنه تصوُّر مغلوط للدين يعطى انطباعاً مختلاً فى فهم الجهاد، فيزيل عنه أهم أنواعه وسماته، ويحصره فى القتل والقتال، ويحرك غريزة الانتقام والصدام، مع أن الجهاد الذى سماه القرآن «جهاداً كبيراً»، يكون بالقرآن والحجة، وتأمل فى تسمية النهوض بهذا الواجب «جهاداً كبيراً»، وكل ذلك لا علاقة له بالقتال، والمعنىّ بالجهاد الذى هو بمعنى القتال هى الجيوش النظامية، وليس الأفراد والتنظيمات والهيئات.