الوطن
سحر الجعارة
أجبن من العشق
كانت أنوثتها على وشك المغيب وهو يحرضها على ترك منفاها الاختيارى، يناديها لعالم الدهشة علَّها تطلق فراشات السعادة من قفصها الصدرى، لتستقر فى كفَّيه.

فى لحظة لم يسجلها شهر الشتاء، ولم يفسرها عقلها العنيد، تمنت أن تسكن تحت جلده تبحث عن دفء سرقته برودة الوحدة.. أن تبحث عن «رغبة» اعتقلتها آيات «التحريم» ومتاريس «العيب»، وصادرتها العيون الجائعة لالتهامها.

فتَّشت فى صوته العذب عن «ملاك» يغويها.. يغريها لتهجر قبرها المرصع بتيجان من حطمت عروش نرجسيتهم بهروبها.. قبرها المفروش بأجنحة طواويس تكسرت أمام أنوثتها العصية على الترويض.

كانت مذعورة من لحظة الاستسلام بين يديه، لم تعُد تقوى على الطيران بعد رحلة الهرب الطويلة.

كانت تحتاج لأن تضعف، لأن تكون «عاشقة» بلا أى حسابات أو تساؤلات أو مخاوف.

«العشق» هو ما يؤكد للمرأة أنوثتها، ويرسم على جبينها ملامح الرحمة والحنان.. نحن نعشق لنكون أنفسنا بكل ما فينا من جنون وضعف وعناد وقوة.. نعشق لنتذوق طعم البهجة ونمسك أطراف أحلامنا الهاربة قبل أن تفلت الأيام من بين أناملنا.

نعشق لنتجاوز هزائمنا وانكساراتنا.. ويوم تختار الأنثى المنفى الاختيارى المسمى بـ«الوحدة» تكون قد بدأت رحلة الاحتضار البطىء!

هل تفلح لمسة من يديه فى بعثها من جديد؟ هل يمنحها «قُبلة الحياة» لتعود أكثر تهوُّراً من وقار السن؟ هل يسرق بريق الحزن من عينيها لتسكن صورته بين جفنيها؟ هل تمحو كلمة «الحب» كل عذابات السنين، ولحظات الفراق والحنين؟

هل القُبلة تُلغى الذكرى وتمنحنا ذاكرة نقية لنسجل من جديد «أول ضمة»؟

حررت خصلات شعرها من قهر المشيب، وعانقت ثوباً حريرياً، وكأنها تُصالح أنوثتها.. أو توهم نفسها بأنها «عاشقة».

كان يضيف إليها ضمير الملكية: «حبيبتى»، يلونها بريشته الساحرة، يحاور عقلها المتمرد شعراً، يوقظ طفولتها المدفونة فى جسدها المنهك.. يفجر طاقة روحه الصوفية لتغتسل بضوء القمر من همومها.

تذكرت كلمات «مصطفى صادق الرافعى» عن «مسز سامبسون»، وهو يقول: «الغليل المستعر فى دم العاشق كجنون المجنون: يختص برأسه وحده.. وضمة المحب لحبيبه إحساس لا يستعار من صدر آخر، كما لا يستعار المولود لبطن لم يحمله.. وكلمة القبلة التى معناها وضع الفم، لن تنقل إلينا ما تذوقه الشفتان!».

كيف اعتقلت «الشهوة» سنوات، وأجَّلت إنسانيتها حتى تيبست؟

نظرت فى المرآة وكأنها تطالع جسدها لأول مرة: («مثيرة» كما كانت، ظمآنة لمن يروى مسام لحمها بحبات العرق، خجول كأنها «عذراء»، متبجحة كأنها «غانية»)!

همست لنفسها: للعشق أحوال.. هل أتركه يشعل ثورتى.. أو يخمد شهوتى؟

حاولت أن تفلسف مشاعرها المبعثرة: «الجنس» لوحة سيريالية، يكفى أن تحبها دون أن تفهمها، لا يحتاج لنظرية خاصة.. يحتاج فقط أن تسكن «تاء التأنيث» فى بيت شعر.. أو أن يتم «الشاعر» قصيدته أو خطيئته!

الجنس هو عمر «الحرية» المسروق من زمن التوتر والحروب والألم الطويل.. هو ذاكرة العاشق التى تحفظ رائحة الرغبة وأنفاس اللهفة.. وتنقش خط العمر الممدود بين كفَّى العاشقين.

هل فك العاشق طلاسم اللعنة المحفورة حول خصرها لتصير «مليكته وجاريته»؟!

لا أعتقد!

لقد اختارت العودة لمنفاها الاختيارى، لتكتب على قبرها آيات الغفران، تدعو إله الرحمة: «اللهم إنى أعوذ بك من قهر الرجال».

لن أصبح لوحة على جدار أنانية رجل.. لن يصلبنى العشق كفكرة على غلاف كتاب لا يتصفحه كاتبه!

قلبى هش.. قابل للكسر.. لن يتحمل وجع الاشتياق أو نزيف الفقد.

أنا أقوى من الرغبة.. وأجبن من «العشق».

كل ما أملكه أن أصدم المجتمع المأزوم، وأحطم أغلال العار.. وأبوح بكلمات: «من أبجدية الأنوثة».
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف