عماد الدين اديب
الفارق بين: المواجهة والحرب.. والقتال
حالة الثقة الشديدة التى ظهرت فى كلام الرئيس عبدالفتاح السيسى فى احتفالات أعياد الإخوة الأقباط تؤكد «الفهم العميق لطبيعة الصراع الحالى فى شرق البحر المتوسط وفى الخليج».
يدرك الرئيس السيسى، كدارس للاستراتيجية العسكرية فى كلية الحرب الأمريكية، وكدارس فى كليات الحرب البريطانية، وكرئيس لجهاز المخابرات العسكرية، وكوزير دفاع، وكرجل صقلته تجارب استثنائية وصراعات تاريخية يندر أن تجتمع عند رجل واحد فى فترة زمنية كهذه، كيف يمكن إدارة الصراعات بشكل ذكى، وحكيم، وفعال.
يدرك الرئيس تماماً أن ثورة 2013 كانت ضربة قاصمة لمشروع إسقاط الدولة الوطنية فى المنطقة لصالح جماعة الإخوان المسلمين بهدف بناء دويلات الميليشيات منزوعة السيادة المفرّطة فى الثروة الوطنية لصالح قوى إقليمية ودولية ذات مشروع شرير.
وبالتالى يدرك الرئيس السيسى جيداً أن محاولة استدراج جيش مصر لأعمال عسكرية خارج حدوده هدفها:
1- إضعاف دور هذا الجيش عن مشروعه الوطنى فى مواجهة الإرهاب والمساهمة فى بناء الدولة المدنية.
2- استنزاف موارد البلاد والعباد، بحيث تتوجه إلى فاتورة حروب إقليمية بدلاً من أن تتركز على بناء الدولة الوطنية الحديثة والقوية.
لذلك لم تتورط مصر فى أعمال عسكرية خارج حدودها منذ عام 2015.
ولكن يدرك الرئيس السيسى أن مصر مركز الثقل الاستراتيجى العربى، وهى القادرة على أن تعيد موازين القوى إزاء مشروعات مضادة للمصالح العربية سواء كانت من أنقرة أو طهران أو تل أبيب.
مع إسرائيل استطاعت مصر بحكمة أن تفض عشرات الأزمات بين تل أبيب وغزة وتمنع مذابح وكوارث عسكرية.
مع تركيا التزمت الحكمة، ولكن إلى حين، بمعنى أن مصر انتقلت من حالة ضبط النفس إلى المواجهة مع جنون «أردوغان» عندما تحولت ثرثرته السياسية إلى اتفاق نافذ مع حكومة «السراج» فى ليبيا يؤثر على:
1- الأمن القومى لمصر.
2- يهدد حدود مصر بوجوده العسكرى وباستجلاب إرهابيين من سوريا.
3- عمل اتفاق مزور غير مشروع لتعديل خطوط الحقوق البحرية فى شرق المتوسط بما يمس ثروات المنطقة، أو ثروات مصر من الغاز والنفط.
هنا يتعين علينا أن نفرق جيداً بين:
1- قرار المواجهة.
2- قرار الحرب.
3- قرار القتال.
فى أى صراع، هناك مستويات للصراع، تبدأ بقرار سيادى لنظام سياسى يمثل دولة ما بالمواجهة مع دولة أو مجموعة دول من أجل الدفاع عن مصالح أو منع عدائيات.
قرار المواجهة مع تركيا اتخذ، حينما أصبح ضرورة فرضتها الأحداث.
بعد قرار البرلمان التركى بإرسال قوات، وعقب وصول معدات وجنود أتراك وإرهابيين سوريين إلى ليبيا، فإن حالة الحرب الفعلية قد بدأت.
ولكن ما تعريف الحرب؟
«الحرب هى نزاع مسلح تبادلى بين دولتين أو أكثر من الكيانات غير المنسجمة حيث إن الهدف منها هو إعادة تغيير الجغرافيا السياسية للحصول على مكاسب»، بينما قال المفكر العسكرى كلاوز فيتز «إنها عمليات مستمرة من العلاقات السياسية، لكنها تقوم على وسائل مختلفة». وما يشاهده العالم اليوم حروب تدار بأشكال مختلفة قد تكون أكثر فعالية من الأعمال العسكرية المباشرة.
والحروب منذ الجيل الأول الذى عرّفه العالم «وليام إنت» عام 1650، وهى حرب بدائية، حتى جيل الحرب الرابع، هى عمل منظور دخل فى شكل الجيل الخامس من الحروب التى تندمج فيه أشكال اندماج القوة الصلبة التقليدية من أعمال عسكرية إلى الاندماج مع القوى الناعمة الجذابة والمؤثرة التى تهدف إلى تفتيت الدولة الوطنية من الداخل تحت مفهوم «دعهم يفجروا أنفسهم بأنفسهم».
هدف هذا النوع من الحرب الحديثة هو فرض ظروف تجعل قوى الدولة المعادية لك تُسقط نفسها من الداخل وتحقق رغباتك فى تحقيق مصالحك.
هذا بالضبط ما يفعله رجب طيب أردوغان فى كافة تدخلاته السياسية والعسكرية وهو يتفق تماماً مع شريكه القطرى، ومع مشروع دولة الخلافة الإخوانية التى تعتبر الجواد الذى يمتطيه، كى يساعده ليعيد الأمجاد العثمانية ويحقق مشروعه الذى يتحدث عنه وهو استعادة أمجاد «تركيا الكبرى» (خطاب علنى له فى جماهير حزب العدالة والتنمية) عام 2002.
هنا نجد أننا تعدينا حالة قرارى المواجهة لأنقرة، وضرورة الحرب مع الوجود التركى فى ليبيا.
نأتى للسؤال.. وهو قرار القتال
القتال له أشكال وتكتيكات ووسائل متعددة تقليدية وحديثة.
القتال قد يكون بقوة عسكرية أو غير عسكرية وقد يكون بقواتك الوطنية أو بقوة حليفة تقوم بدعمها.
القتال قد يكون بقوة نيران من البحر أو من الجو.
القتال قد يكون بالاشتباك أو بفرض منطقة حظر طيران أو بحصار بحرى أو بكليهما.
والقتال قد يكون باستخدام ودفع قوات برية محدودة أو ضخمة فى زمن ما وفى توقيت يقدره صانع القرار العسكرى، لذلك علينا أن نتفق بأنه مهما كان شكل ومستوى الصراع فالنصر لنا.
المهم أن ندرك أن الصراع قد بدأ فعلاً، وهو واقع لا يمكن تجنبه أو تهوينه أو التخفيف من مخاطره المباشرة على مصر وشرق المتوسط.
الأهم أن ندرك أن هذه معركة شروطها:
1- تماسك الجبهة الداخلية.
2- تعبئة القوى الإقليمية.
3- حسن إدارة التسويق الدولى للقضية.
4- ضبط الأعصاب والنفس والتحكم فى شكل وتوقيت الصراع العسكرى.
5- وأخيراً أكرر وأكرر.. وأكرر هذا الأمر ليس نزهة أو معركة قصيرة، إنه أمر قد يطول ويحتاج إلى طول النفس وإيمان عظيم لا يتزعزع بعدالة قضيتنا.
«وما النصر إلا من عند الله». صدق الله العظيم.