الوطن
مجدى علام
من أين هبط آدم! (1-2)
وهنا نسأل: هل أرض الآخرة مخلوقة ونزل منها آدم إلى أرض الدنيا؟ بعض المفسرين يرى أن هبوط آدم من الجنة كان هبوطاً من حديقة فيحاء فى مكان فى أرض الدنيا إلى مكان آخر لا زرع فيه ولا ماء، وهو ما يُعتقد أنه جبل عرفة، حيث تعرّف آدم على حواء بعد فترة تيه بعد أن أزلهما الشيطان، حيث - علمياً - لا يستطيع آدم أن يعيش بغير هواء ولا ماء ليحيا بجسده البشرى، فقد خُلق من طين هذه الأرض.

إن هبوط آدم وحواء من السماء إلى الأرض، كما تكرر الموروثات، ليس متسقاً مع آيات الخلق، كما جاء فى حوار إبليس «خلقتنى من نار وخلقته من طين» سورة الأعراف، آية 12: (قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِى مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ)، وفى سورة الحجر آية 33: (قَالَ لَمْ أَكُن لِّأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ)، وفى سورة ص آية 76: (قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِى مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ)، والتركيز الشديد على الفرق بين النار والطين يؤكد استحالة أن يتعايش الصنفان فى مناخ واحد وعالم واحد، فأحدهما من تراب الأرض وصلصالها، أى كانت الأرض ليّنة ولم تكن تماسكت بعد كما فى طبقات الجيولوجيا، حيث كانت طبقات سائلة وتجمدت عبر العصور الجيولوجية المختلفة. ومن هنا فإن نظرية أن آدم هبط من السماء إلى الأرض لا تتسق مع سياق العلم، ولا تتسق مع سياق آيات القرآن، والأولى أن انتصار إبليس على آدم كان فى الأرض نفسها، ولكن آدم البرىء بلا ذنب، بسذاجة الطفل البرىء الذى يولد على الأرض، لا يدرى الفرق بين الشر والخير والصواب والخطأ، تعرّض لأول اختبار للبشر بعد الخلق مباشرة، فأخطأ الخطيئة التى أخرجته وأخرجتنا من عالم البراءة بلا ذنوب إلى عالم الاختبار بين الخطأ والصواب والذنوب والبراءة، ولذا فإن خلقه على الأرض ومن الأرض وإلى الأرض، فقد مات هو وأولاده ودُفنوا فى هذه الكرة الأرضية وليس فى السماء، وبعد خطيئته غفر الله له ذنبه، ولم يكن مثل الطفل يعرف كيف يعتذر عن الخطأ، فعرفت البشرية لأول مرة معنى الاعتذار، وهو فى التعبير الدينى توبة، والدنيوى اعتذار، ولكن التوبة اعتذار لله، ولولا أن علّمها الله لآدم لصرنا جميعاً إلى جهنم، لولا أن نجانا الله بتعليمه الاعتذار والتوبة!

ولكن المنطق يجبرنا أن نعلم أن لحظة دنيوية آدم وحواء هى لحظة إحساسهما بأن هناك عورة تناسلية يجب ألا تظهر، فـ(إِنَّ لَكَ أَلاَّ تَجُوعَ فِيهَا وَلا تَعْرَى) سورة طه آية 118، وسورة البقرة آية 36: (فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِى الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ). والعجيب أن الآية السابقة تحذر من الشقاء فى الأرض الدنيوية بعد أن ذكر قبل ذلك «فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ»، آية ٣٦ من سورة البقرة، وقال أيضاً «فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ» آية ٢٢، سورة الأعراف، وهو معنى قاسٍ للحياة الدنيا، أنها حياة شقاء وذل وإذلال وإزالة من جنة النعيم الدائم إلى أرض الشقاء المؤقت. وهناك فارق كبير بين أرض الدنيا ذات الشقاء وأرض الآخرة ذات البلاء أو النعيم المستدام، فهى لأهل الذنوب شقاء ولأهل المغفرة نعيم. وللحديث بقية.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف