الوطن
وليد طوغان
لا يفقهون حديثاً!
هل الدين سلفى؟

الإجابة: طبعاً لا.. وكل ما هنالك أن السلف عرفوا الإسلام قبل أن نعرفه نحن. وليس معنى أنهم عرفوه أولاً أنهم هم الدين.. ولا معناه أن مفاهيمنا لأحكام الشريعة لا بد أن تكون كما فهموه.

والسلف هم المسلمون الأوائل.. من أول سيدنا على بن أبى طالب (رضى الله عنه) انتهاء بعصر تابعى التابعين.. أنزل الله الإسلام ديناً للعالمين.. ليس ديناً للتابعين وتابعى التابعين.. لذلك فهو دين تقدمى.. يتطور حسب ظروف العصر والأوان.

لو أن الدين كان سلفياً لتوقف عند عصر معين.. ولما كانت هناك حاجة لظهور علم الفقه وعلم التفسير.

ظهر علم الفقه لما وجد المسلمون معضلات زمنية لم تظهر فى عصر النبى (صلى الله عليه وسلم) فلم يعالجها الوحى.. كان الوحى ينزل بحلول لمشكلات حديثة فى عصر النبى. لما مات النبى امتنع الوحى، فظهرت علوم الفقه والتفسير استنطاقاً للنص.. وإيجاداً لحلول لمشكلات استجدت.. أو محاولة لقياس أحكام قديمة على أحداث جديدة.

لذلك تطور النص.. وتوسع الإسلام.. وبالاجتهاد وإعادة تأويل النص، ومعرفة ظروف تنزيل الآيات وجد المسلمون حلولاً دائمة.. مهما تغيرت الظروف.. ومهما استجدت المستجدات.

ولو توقف الاجتهاد لتوقف الدين.. وبلا اجتهاد لا داعى لظهور علوم الفقه. فالفقه هو مفهوم الشريعة فى عصر ما.. ومستحيل أن يظل الفقه جامداً.. لأن العصور متغيرة.

الدليل أنه لما انتشرت المذاهب الأربعة فى البلدان الإسلامية، ودخلت بلاداً جديدة، لم تبق المذاهب على حالها.. إنما تغيرت حسب المجتمعات.. محاولة لتلبية مشاكل المجتمعات وقضاياها الحديثة.

مذهب الإمام مالك فى رحلته من المدينة المنورة إلى مصر واجه مشكلات.. واستطاع الإمام الليث بن سعد فى مصر تحويل بعض المالكية للأخذ بالاجتهاد رغم رفضهم له فى البداية.. فقد واجهوا فى مصر مشكلات ومسائل لم تكن موجودة فى مجتمع الحجاز.

وحينما انتقلت المالكية مذهباً رسمياً فى المغرب نتج عنه توسع مالكية الأندلس فى الاجتهاد.. بينما ظل مالكية المدينة لا يأخذون به ولا يعتبرونه.. فى الأندلس أيضاً أخذ المالكية ببعض من مذهب أبى حنيفة فى العراق.. بينما أيضاً ظل مالكية المدينة يعيبون على أبى حنيفة القياس!

توسع مذهب أبى حنيفة فى مجتمعات النشاط التجارى بآسيا الوسطى، وأخذ به بعض المعتزلة وحتى بعض الشيعة.. لانفتاحه.. ومرونته.. لكن الإمام الشافعى رغم محاولته إحداث ثورة فقهية بتأسيسه علم أصول الفقه، فإن مذهبه لم ينتشر فى مجتمعات معينة.. لترجيحه «النقل» على «الرأى» وتضييقه فى الاجتهاد.

ظل فقه الشافعى «محدوداً» فى مجتمعات متطورة.. أو تسعى لذلك.

ماذا يعنى هذا الكلام؟

يعنى أن الحفاظ على الشريعة لا يعنى تحويلها لنصوص مقدسة.. تقلب التراث مسلمات.. وتضع اجتهادات المسلمين الأوائل محل الكتب المقدسة.

ولا يعنى أن التمسك بالدين مرادف لتحويل اجتهادات القدماء إلى توابيت جامدة مغلقة.. ولا يعنى أن الإسلام يقصر عمل رجال الدين على نقل اجتهادات الأولين.

لو الإسلام سلفى لراح مع السلف.. بينما لم يجد الخلف، الذين هم نحن، شيئاً!
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف