الوفد
د. مصطفى محمود
الشكّ الوجودى فى استقرار النظام!
عمت بشائر القليل من الامل بتشكيل حكومة لبنانية؛ وبعيدا عن مهاترات «الفيس بوك» بتعيين أول وزيرة دفاع عربية؛ السؤال الطارح نفسه الآن هل يُمكن لتلك الحكومة أن تُنفِّذ الإصلاحات التى اتفقوا عليها؛ وكم ستعطى من الوقت قبل أن تتعرض للعراقيل كما كان يحصل دوما؛ فعقدة التغيير التى حلت بالتشكيل؛ لا تخرج عن كونها نقطة فى احلام الشارِع ومطالب الحراك؛ وعند الكثير من المتظاهرين مجرد حكومة؛ خاصة أنها لن تقوم بشىءٍ جيِّد فى غضون ايام؛ فهى لا تمتلِك عصا سحرية، بالطبع سيكون هناك شىء جديد تقدمه، ولكن إلى أين سيأخُذ البلد هذا الجديد؟ فى ظل أن من يقطعون الطرقات تابعون لأجندات خارجية فى كلّ مكان فى لبنان سواء على الساحل أو فى المناطق الوسطية أو الجبلية؛ بدون أيّ أمَد أو أية فكرة، فهم لا يفهمون ماذا يريدون. وبالطبع هناك ثورة على الأرض تُعبِّر عن نقمة الناس، وهناك جمعيات أهلية مُحترمة، وأشخاص لهم باع طويل فى الخبرة الاقتصادية وغيرها وليسوا حزبيين، ولكن الحراك الشعبى ينفذ دون وعى الأجندات الخارجية، فمن المعروف أن هناك مليارا ونصف مليار دولار تأتي للنازحين السوريين فى (لبنان)، وثمة شكوك كبيرة فى عدد من الجمعيات التى تصرف هذه الأموال.

ويوجد مال يُدفع من دول عربية مستغلة الفقر وانسداد الأُفق لدى المتظاهرين؛ وفى ظل أن هناك مشروعا فى المنطقة لتركيع المنطقة، وتفتيت دولها؛ وتلك الدولة التى نشأت منذ مئة سنة، سنة 1920، رُكِّب لها نظام طائِفى من قِبَل دول أوروبية ثم الولايات المتحدة ودول عربية، ومن قوى طبقية داخلية. فكانت المارونية السياسية التى دامت حوالى خمسين سنة، ثم دخل لبنان فى الحرب الأهلية، ومع انتهاء الحرب الأهلية وجِّهت ضربة للمارونية السياسية ونشأت أوهام الشيعية السياسية والسنية السياسية، ولبنان يعيش الآن مرحلة صعبة للغاية، خصوصاً مع ارتباك علاقة كلّ هذه الأطراف بالراعى الخارجى المرتبك جداً بسبب تداعيات الوضع العربى، نحن نعيش فى مرحلة من الشكّ الوجودى فى إمكانية إعادة استقرار هذا النظام. والازمة تكمن فى التوازن الطائِفى عند ممارسة السلطة السياسية. فلا يُمكن أن يقوم توازن إلّا إذا كان أحد أطراف التوازن مهيمناً ليعيد إنتاج نفسه. والناس جرّبوا كلّ هذه النظريات وللاسف معدلات النمو فى لبنان هى الأدنى فى العالم، مع انهيار المرافق العامة، والسطو على المال العام، والفقر ولا يوجد زراعة ولا صناعة ولا شىء صحيح. وأربعون فى المئة من القوى العاملة التى كان من المُفترَض فى السبعينيات أن تكون اليوم هنا خرجت إلى الخارِج.

الى جانب أن الحراك الشعبى لم يُفرِز قيادة موحّدة أو مجموعة ناطقين باسمه، لم نسمع برنامجاً متكاملاً؛ وكما هو المعتاد سابقا فى دول ماسمى بالربيع العربى هذا الحراك لا رأس له ولن يكون عنده رأس؟ وسيصل بلبنان إلى دولة مُفلِسة؛ على الرغم أن هناك جهودا مضنية يبذُلها العديد من الأطراف لمُحاولة منع ذلك. ولكن كل شىء يسقط مع تأجيج الحساسيات وخصوصيات المناطق وصراعاتها وتدمير النقابات مع أن (تونس) لعِبت النقابات فيها دوراً هاما، ولقد حدث هذا مسبقا مع سبق الاصرار مع السطو على قيادة الاتحاد العُمالى العام، وصارت الطوائِف أحزاباً شموليّة كلّها فى النقابات وفى الهندسة وفى الطبّ وفى التعليم، وأصبح إذا لم تكن لديك هوية طائِفية فأنت نكِرة ولا يوجد عندك أيّ أُفُق. إلى جانب أنّ كلّ كتلة طائِفية تُمارِس سيطرتها على حيّزها الجغرافى وكأنها شكلٍ من أشكال الفيدرالية فى ظلّ أزمة تحت الطاولة انفجرت ووصلت إلى ذروتها، وكل هذا يتلاقى مع المشروع التفتيتى الإسرائيلى والأمريكى.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف