بوابة الشروق
جورج اسحاق
بحب الأمومة أكتر
أحيت الدكتورة هدى بدران رئيسة جمعية سيدات مصر ذكرى مهمة جدا فى تاريخ المرأة المصرية لدخولها البرلمان منذ 60 عاما لأول مرة، واحتفلت الدكتورة هدى بهذا التاريخ باحتفال كبير حضره عدد كبير جدا من السيدات العاملات والنائبات، وكانت «راوية عطية» أول امرأة تدخل البرلمان لتكون مصر من أسبق الدول التى سمحت للمرأة بالتمثيل داخل البرلمان، وفى نفس الوقت سألت إحدى الصديقات وهى أستاذة جامعية مرموقة «هل تحبين عملك؟»، فأجابت «بحب الأمومة أكتر».
وهذه الإشكالية يجب أن ننظر لها بعناية وتمحيص ووضع الحدود، وأنا لا أدعو إطلاقا بتخلى المرأة عن وظيفتها لتربية الأبناء ولكن هناك معادلة للتوفيق بين العمل والعائلة. ففى أوروبا مثلا لم تبدأ المرأة فى النزول للعمل إلا فى أثناء الحرب العالمية الثانية، عندما احتاجت المصانع الحربية فى زمن الحرب لقوى عاملة بسبب نقص الرجال لاشتراكهم فى الحرب، وفى نفس الوقت بدأت حركة قوية لرفع المستوى التعليمى للمرأة وفتح المجال لها للدراسة فى الجامعة، حيث ساعدت الحرب العالمية المرأة على التحرر وتعزيز استقلالها الاقتصادى.
***
ورغم إيماننا بأن الواجبات المنزلية تعد من أهم مهام المرأة فى الأسرة، ولكن الجيل الجديد من الرجال تعلم أن يكون مشاركا فى هذه الأعباء، فى الوقت الذى أثبتت التجارب أن الأب قادر على رعاية أطفاله. أما فى العالم العربى فهناك معوقات لعمل المرأة مثل ارتفاع نسبة الولادات وانخفاض فرص العمل وانتشار الأمية إلى جانب رفض نسبة كبيرة من الرجال لعمل المرأة. ولا يمكن حرمان المرأة من العمل لأنها وصلت إلى مستويات كبيرة فى الوظائف وأصبحت طموحاتها فى العمل أكثر من قبل، والمجتمع فى أشد الاحتياج لهذه الخبرات. والمشكلة الآن كيف توائم المرأة بين عملها والعناية بأطفالها؟ فيجب أن نوفر للمرأة فى العمل حضانات لرعاية الأطفال لأن عمل المرأة يلعب دورا كبيرا فى تغيير مصير كثير من العائلات، والمطلوب تغييرات جذرية فى طريقة عمل المرأة وتحقيق المناخ الذى يتيح لها العمل إلى جانب رعايتها لأسرتها، فلا يمكن أن نطالب المرأة بعدم العمل بعد أن أخذت قسطا كبيرا من التعليم على أعلى المستويات، ويجب على الزوج أن يراعى هذه المسألة لأن كل الدراسات تؤكد أن وجود الرجل فى المنزل وإظهار عاطفته لأطفاله خلال السنوات الأولى من عمرهم مهم جدا لحالتهم النفسية والعقلية. فهل من الممكن أن نقلل ساعات العمل بالنسبة للمرأة للاستفادة من خبراتها التى اكتسبتها لأنها إضافة مهمة فى التنمية البشرية.
ونتعرض هنا لقوانين العمل عموما وخاصة المتعلقة بالمرأة، والخاصة بالقطاع الخاص من حيث سن التقاعد، وإجازة الأمومة التى لا تطبق بشكل صحيح، ولذلك هناك شهادة من المستشارة تهانى الجبالى أن المشكلة ليست فى مواد القانون إنما فى طريقة تطبيقها؛ حيث ذكرت أيضا أن دستور 1971 يقر حق العمل للمواطنين جميعا رجالا ونساء على أساس المساواة بينهم بدون أدنى تمييز، وأن هناك إعلانات تشترط الذكور وهذا مخالف للقانون، وتحاول أن تتعاون مع بعض المنظمات التى تهتم بحقوق المرأة لسد قوانين تنتهك حقوق المرأة فى العمل استنادا إلى المادة الثالثة والعشرين من الإعلان العالمى لحقوق الإنسان، وكذلك المادة السادسة من العهد الدولى للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والمادة الحادية عشرة من اتفاقية القضاء على كل أشكال التمييز ضد المرأة المعروفة باسم «السيداو» الموقعة من كل الدول العربية تقريبا لاتخاذ جميع التدابير المناسبة للقضاء على التمييز ضد المرأة فى ميدان العمل.
***
ومن مواد قانون العمل المصرى لضمان حق المرأة ينص القانون «بإلزام صاحب العمل بتأسيس حضانات لأطفال الأمهات العاملات إذا وصل عددهن إلى 100 امرأة، كما تنص المادة 96 من قانون العمل» ويتحايل أصحاب العمل بعدم تعيين أكثر من 99 ليتفادى إنشاء حضانات كما نص القانون، أما المادة 90 من قانون العمل المصرى تفرض على وزير القوى العاملة بتحديد الأعمال الضارة صحيا أو أخلاقيا وكذلك الأعمال الشاقة وغيرها من الوظائف التى لا يجوز تشغيل النساء بها مما يسمح للحامل بتغيير طبيعة عملها فى فترة الحمل اذا كان الأمر شاقا عليها حتى الانتهاء من فترة الحمل والرضاعة، كذلك وبمجرد إكمال المرأة 10 أشهر فى العمل يحق لها إجازة وضع مدفوعة الأجر مدتها 90 يوما وذلك حسب المادة 91 من قانون العمل. وأنصف قانون العمل الجديد المرأة العاملة باستحقاقها إجازة الوضع 3 مرات بدلا من مرتين.
هذه بعض الضمانات التى نريد تنفيذها من قبل أصحاب الأعمال والحكومة حتى تنال المرأة حقوقها وتستطيع التناغم بين عملها ورعاية الأسرة، لأن المرأة المصرية شاركت فى ثورتى 25 يناير و30 يونيو بكثافة كبيرة واحتجت بقوة على انتهاك حق المرأة فى التظاهر بمبادرات نسائية وهذا سوف يُسجل لها فى التاريخ، هذه الضمانات حق للمرأة نريد أن نراها على أرض الواقع وذلك إسهاما من الدولة فى تحقيق المواءمة بين الأمومة والعمل، ويجب أن نعترف أن الضغوطات على المرأة العاملة هى ضغوطات تنتج فى معظمها من أعباء تستطيع تقاسمها مع الرجل، فنحن فى حاجة إلى نساء عاملات وشغوفات ومتقنات ونخفف عنهن عبء الحياة، وعمل المرأة يساعد على تغيير مصير عائلات وأفراد بشكل كامل، وهذا يتطلب مناهج تربوية جديدة، واحترام المرأة فى كل المجالات وقبولها حتى تتغير ثقافة التمييز عند الرجال والتى تؤدى إلى التحرش فى بعض الأحيان، وبما أن زواج المرأة جزء من حياتها كذلك العمل جزء من حياتها، ولذلك يجب دراسة الظواهر الاجتماعية السائدة فى المجتمع والتى تؤدى إلى التقليل من شأن المرأة.
تحية تقدير واحترام للمرأة المصرية، وتحية لجهد الدكتورة هدى بدران التى أنعشت ذاكرتنا بأول امرأة منتخبة فى مجلس النواب، وكذلك تحية للسيدة مفيدة عبدالرحمن أول محامية امتهنت المحاماة فى مصر التى احتفى بها موقع جوجل بمناسبة ذكرى ميلادها. المرأة المصرية شريك كامل فى المجتمع نريد أن نعظم موقعها ونعطيه أهميته إلى جانب أن نكفل لها كل ما يساعدها فى رعاية أسرتها، وهذا كله يصب فى بناء دولة ديمقراطية مدنية حديثة.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف