الوطن
سمير عمر
«نتنياهو» وخطر القومية العربية
كثيرون من المصريين والعرب يعرفون اسم جهاز المخابرات الإسرائيلى «الموساد»، وقليلون منهم من يعرفون جهاز «الشاباك» أو «الشين بيت»، و«الشاباك»، وفقاً لمركز المعلومات الوطنى الفلسطينى، هو جهاز الأمن العام والمخابرات الداخلية فى إسرائيل، والكلمة «شاباك» اختصار للعبارتين العبريتين «شيروت بيتاحون»، و«شيروت بيون»، أى خدمة الأمن وخدمة التحريات، وتختصر العبارتان إلى «شين بيت»، ثم زيدت كلمة «كلالى» بمعنى «عام»، وأصبح يُسمى «شاباك».

ومهمة «الشاباك» الأساسية مكافحة الجاسوسية وأعمال المقاومة من الداخل، ومراقبة البريد والاتصالات السلكية واللاسلكية، وكشف «التآمر على الدولة»، ومتابعة نشاط الاستخبارات الأجنبية، وشبكات التجسس فى الداخل. ولـ«الشاباك» عملاء فى معظم المنظمات والمؤسسات والأحزاب الإسرائيلية. وظل «الشاباك» إدارياً تابعاً للجيش الإسرائيلى حتى عام 1950، وألحق بعدها بوزارة الدفاع، وأصبح مستقلاً ذاتياً؛ تحت المسئولية المباشرة لرئيس الوزراء. و«الشاباك» هو المسئول عن مئات العمليات التى نُفّذت بحق فصائل المقاومة الفلسطينية منذ عقود.

فى الأسبوع الماضى اجتمع رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو بقادة «الشاباك»، ثم خرج من الاجتماع ليكتب فى حسابه الرسمى باللغة العربية على موقع التواصل الاجتماعى «تويتر»، ما نصه:

قلت فى مقر قيادة «الشاباك»:

غايتنا الكبرى هى التغلب على التهديد الإيرانى، وهو تهديد تقليدى ونووى وإرهابى، كما تغلبنا على التهديد الكبير «التى» تمثل بالقومية العربية. نستطيع أن نحقق ذلك وأثبتنا ذلك. يجب على إصرارنا على خوض النضال من أجل ضمان مستقبلنا ودحر أعدائنا أن يكون أكبر من إصرارهم.

وبغض النظر عن الأخطاء اللغوية الفادحة فى هذه التدوينة، التى تعكس كرهاً للعربية لغة وأمة ومشروعاً، فإننا أمام حقيقة لا يخشى «نتنياهو» إعلانها على الملأ، ولا أعنى هنا بالطبع ما سماه التهديد الإيرانى، لكن ما يعنينى هو التهديد الكبير الذى تمثل بالقومية العربية، حسب قوله.

يعتبر «نتنياهو» ومعه قادة إسرائيل التاريخيين أن القومية العربية هى التهديد الكبير، ويرى هو وقادة إسرائيل الحاليين أنهم تغلبوا على هذا التهديد. فأما وأن القومية العربية هى تهديد كبير لإسرائيل فهذا متفق عليه، وأما وأن إسرائيل قد تغلبت عليه، فهذا مختلف عليه. صحيح أن الأمة العربية تعيش فترة من أسوأ مراحلها التاريخية، وصحيح أيضاً أن إسرائيل نجحت فى كسب عدة جولات فى حربها المستمرة ضد العرب، لكن هل صحيح أن العرب تغيرت نظرتهم إلى إسرائيل ككيان مغتصب قام بأكبر عملية سطو مسلح فى التاريخ؟ وهل صحيح أن العرب رغم كل ما يكابدونه الآن من كوارث وأزمات وحروب داخلية طاحنة، ومعارك لا يبدو أنها ستنتهى قريباً مع قوى وتنظيمات إرهابية لا تمت إلى الدين ولا إلى الإنسانية بأى صلة، هل صحيح أنهم من الممكن أن يتعاملوا مع إسرائيل، ويعتبروا وجودها أمراً طبيعياً؟

أعتقد أن الإجابة ستكون بالنفى، واعتقادى هذا ليس قائماً على العاطفة وحسب، كما يحلو للبعض تصوير الأمر، لكنه قائم على ظواهر ومواقف حقيقية يمكن لأى شخص رصدها إذا اختار عينة عشوائية من أى بلد عربى من المحيط إلى الخليج ليسألهم عن إسرائيل وكيف ينظر إليها؟ حتى أولئك الذين ضل سعيهم فى الحياة، وساروا فى طريق التطبيع، إذا طلبت منهم الإجابة بصدق عن هذا السؤال سيقولون هى عدو ومغتصب لأرض عربية.

ففى كل مرة تقدم فيها إسرائيل على ارتكاب جريمة من جرائمها ضد الشعب الفلسطينى وفى كل مرة تقدم فيها الإدارة الأمريكية على اتخاذ مواقف وقرارات تخالف بها الحدود الدنيا لما توافقت عليه القوانين الدولية والقرارات الأممية بشأن حقوق الشعب الفلسطينى تتجدّد روح معاداة إسرائيل فى نفوس العرب، وإن اختلفت مواقفهم وتباينت رؤاهم. ربما تكون راية القومية العربية قد انكسرت فى عدة ساحات، وربما يكون مشروع الوحدة العربية قد استهدف عدة مرات، لكن المؤكد أن العرب لن تقوم لهم قائمة ولن يكون لهم مكان فى هذا العالم المضطرب الذى يموج بالصراعات ويشهد لحظة إعادة ترتيب وتموضع لمراكز القوى والتأثير إلا عبر وحدتهم، وتنسيق مواقفهم، واستثمار طاقاتهم وثرواتهم.

ربما لن يكون هذا بإعادة إنتاج تجارب تاريخية، لكن بالتأكيد هذه التجارب بانتصاراتها وانكساراتها رصيد مهم لا يمكن للأمة العربية التطلع لمستقبلها دون النظر إليه والبناء عليه.

تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف