المساء
السيد العزاوى
أهل الإيمان
هذا رجل من أشراف قريش ووجهائها في الجاهلية والإسلام. انه حكيم بن حزام بن خويلد بن فص القرشي وهو ابن أخ خديجة بنت خويلد أم المؤمنين أول زوجة في حياة رسول الله ــ صلي الله عليه وسلم ــ كما أنه ابن عم الزبير بن العوام. ومن المفارقات في تاريخ حكيم أن أمه دخلت الكعبة مع مجموعة من النساء وهي حامل وخلال وجودها في هذا المكان المبارك جاءها الطلق فولدت حكيم. وقد شرفه الله بولادته في قلب البيت الحرام. وقد أسلم حكيم يوم فتح مكة وكان من المؤلفة قوبهم. أعطاه الرسول ــ صلي الله عليه وسلم ــ يوم حنين مائة بعير. وقد حسُن إسلامه وقد طال به العمر فعاش 120 عاماً. أمضي منها ستين عاماً في الجاهلية. وستين سنة في الإسلام وتوفي سنة أربع وخمسين في أيام معاوية.
شهد حكيم يوم بدر مع كفار مكة وقد نجا من أيد المسلمين ونجا منهزماً وقد كانت هذه الهزيمة مستقرة في ذهنه فكان إذا اجتهد في اليمن يقول: والذي نجا في يوم بدر وانه لم يصنع شيئاً من المعروف في الجاهلية إلا وصنع مثله في الإسلام. وقد امتلك دار الندوة حيث اشتراها من معاوية بمائة ألف درهم. فقال له ابن الزبير بعت مكرمة قريش فقال حكيم: ذهبت المكارم إلا التقوي وقد تصدق حكيم بثمنها. ودار الندوة هي التي كان يلتقي فيها سادات قريش ويدبرون فيها المؤامرات ضد رسول الله ــ صلي الله عليه وسلم ــ والذين آمنوا معه.
ومما تتناقله كتب السيرة والتراجم أنه أتي النبي ــ صلي الله عليه وسلم ــ فقال يا رسول: أرأيت أشياء كنت أفعلها في الجاهلية كنت أتعبد بها فهل لي في ذلك أجر. فقال له رسول الله ــ صلي الله عليه وسلم ــ: أسلمت علي ما سلف لك من خير. وقد أدي فريضة الحج وكان مائة من الإبل وقد كساها بأثوابها من اليمن وقد أهداها لوجه الله. كما أنه وقف بعرفات ومعه مائة عبد في أعناقهم أطواق من الفضة منقوش بها هؤلاء عتقاء لله عن حكيم بن حزام. كما أهدي لله ألف شاة. جوده كان عالياً وقد روي عنه كثير من الصحابة منها يوسف بن ماهك عن حكيم بن حزام قال: سألت النبي فأعطاني ثم سألته فأعطاني. فقال يا حكيم: إن هذا المال خضرة حلوة. من أخذه بسخاوة نفس بورك له فيه. ومن أخذه بأشراف نفس لم يبارك له فيه. وكان كالذي يأكل ولا يشبع. واليد العليا خير من اليد السفلي. قال حكيم: يا رسول الله. والذي بعثك بالحق لا أرزؤك أي لا أنقص بالطلب منك. ولا أحداً بعدك شيئاً فكان أبو بكر ــ رضي الله عنه ــ يدعوه إلي عطائه فيأبي أن يأخذه كما أن عمر بن الخطاب ــ رضي الله عنه ــ قد دعاه ليأخذ مالاً لكنه امتنع. فقال عمر: يا معشر المسلمين: أشهدكم أني أدعو حكيماً إلي عطاء فيرفض أن يأخذه. فما سأل أحداً شيئاً حتي فارق الحياة حين انتهي الأجل.
تلك هي عفة حكيم بن حزام ويعتبر نموذجاً لأهل الإيمان الذين تمسكوا بالعهد الذي أخذوه علي أنفسهم بألا يأخذوا مالاً من أحد. لكن ما بالنا نري عدداً كبيراً من المتسولين يقفون في الطرقات يسألون الناس أن يعطوهم وبعضهم استمرأ هذه العادة وفي المساجد وحول دور العبادة تري العجب العجاب. فأين هؤلاء من مواقف حكيم بن حزام حين أصر علي عهده مع رسول الله ــ صلي الله عليه وسلم ــ ليت هؤلاء يقنعون بما أتاهم الله من عطاء. وليتهم يقتدون بحكيم بن حزام. واضعين نصب عيونهم قول رسولنا الكريم: اليد العليا خير من السفلي.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف