الوطن
أحمد رفعت
«قطب».. الطلقة الثالثة!
خمسون عاماً ولا أحد يتكلم فى مصر بشكل حقيقى وفعال إلا «الإخوان».. التاريخ المتداول فى نصف قرن كتبه الإخوان وروج له من نقل عن الإخوان وساعدهم كل من استفاد مما يفعله الإخوان!

خمسون عاماً و«الإخوان» يفعلون فى العقل الجمعى المصرى ما شاءوا.. اغتيال معنوى مارسوه على أسوأ ما يكون.. حتى كره الناس بالفعل رموزاً مهمة.. حتى شوهوا بالفعل عند بعض القطاعات صورة الزعيم الخالد جمال عبدالناصر ومعه كثيرون كانوا على خلاف معهم ومع مشروعهم فتم تشويه الشيخ أحمد حسن الباقورى وخالد محمد خالد وقاسم أمين وسلامة موسى ومحمد عبده وطه حسين وعباس محمود العقاد وغيرهم وغيرهم!!

أقنعوا قطاعات من شعبنا أن كل حكامنا علمانيون والعلمانية تعنى عندهم «الكفر» وبالتالى فكل حكامنا وكل حكام الوطن العربى «كفار»!

أقنعوا قطاعات واسعة من شعبنا أن ثورة يوليو انقلاب عسكرى، وأن ضباط الجيش العظيم كان هدفهم السلطة، وأن دول العالم المعادى للإسلام هى من ساعدتهم!! ساعدتهم لماذا؟ للقضاء على الإسلام.. وما هو الإسلام؟ جماعتهم.. هم.. وحدهم!!

أقنعوا قطاعات عديدة ولفترات طويلة أن حادث المنشية ومحاولة اغتيال جمال عبدالناصر تمثيلية! وأن «عبدالناصر» خطط له ودبره ليكون ذريعة للتخلص من الإخوان!!

أقنعوا قطاعات واسعة من شعبنا أن تاريخنا كله هزائم.. حرب 56 تلك الملحمة الكبيرة التى قاوم فيها شعبنا عدواناً ثلاثياً حتى توقف العدوان وانسحب المعتدون ثم حققت مصر ما أرادت واستردت القناة وبنت السد العالى.. اعتبروها هزيمة وأن قرار التأميم الذى أعاد لشعبنا حقوقه وثأر لعشرات الألوف من أجدادنا ممن ماتوا من الجوع والتعذيب والسخرة والإهمال فى حفر القناة اعتبروه قراراً خاطئاً!

أقنعوا قطاعات واسعة من شعبنا أن السد العالى أضر مصر! منع الطمى وحجز أنواعاً من الأسماك!! وأنه قابل للسقوط ووقتها ستغرق مصر كلها!!! دون أن يقولوا للناس حال مصر وقت الفيضان، وكيف كانت تغرق فعلاً وتختفى القرى المحيطة بالنيل، وكيف حمى السد العالى مصر من العطش سنوات الجفاف، وكيف وفر لمصر الكهرباء وقتها لإنارة 5 آلاف قرية ودعم النهضة الصناعية فى الستينات، وكيف وفر الرى الدائم لملايين الأفدنة يزرعها ملايين المصريين!

شككوا فى حرب أكتوبر وشوهوا الفنانين وعدداً كبيراً من الشخصيات العامة، وبالغوا فى حجم أعمال أبناء الرئيس مبارك الذى نختلف معه ومع عهده لكننا نعترف بحجم المبالغات فى فساد الأبناء وكان الهدف حشد الناس ضد النظام والهدف فى الأخير إقناع الناس بالنتيجة المستهدفة: جربوا الإخوان.. الإسلام هو الحل.. والإسلام عندهم يعنى «الإخوان»!

أكاذيب بالجملة.. حسن البنا قتله الملك وتركوه ينزف وذهب الملك إلى المستشفى ليتشفى فيه! وسيد قطب أعظم ناقد أدبى فى التاريخ وتوسط لمنع إعدامه نصف حكام العالم الإسلامى، وعبدالقادر عودة أعظم باحث فى القانون الجنائى عرفته البشرية وابنه خالد أحد أهم علماء الجيولوجيا فى العالم، ومحمد بديع أحد أهم علماء البيولوجيا فى العالم، ووالدة جمال عبدالناصر يهودية، ووالدة كمال أتاتورك يهودية!!!! وهكذا كم أكاذيب يفوق الاحتمال فى أى مجتمع!!

سنوات ونحن نطالب بالتصدى لكل هذه الجرائم التى استقرت فى أذهان ملايين المصريين.. يرددونها بلا تفكير وبلا مراجعة لسبب بسيط غير التأثر بالإخوان وهو لأنهم سمعوها من وقرأوها عن آخرين معادين للإخوان من كتاب ونجوم فى الإعلام هم أنفسهم نقلوا عن الإخوان.. انتقاماً من جمال عبدالناصر لخلافهم معه.. أو تقرباً من أنظمة بالمنطقة.. أو تزلفاً إلى السلطة.. ولم يدروا أنهم ساعدوا الإخوان وتبرعوا لهم بأسوأ خدمة يمكن دعمهم بها.. ترسيخ أكاذيبهم فى الوعى الجمعى المصرى!

الآن يتحقق ما طالبنا به فى عشرات المقالات وعشرات المقابلات التليفزيونية والإذاعية ويتم التصدى لنصف قرن من الأكاذيب من خلال سلسلة من الأعمال التسجيلية التليفزيونية.. الأول كان عن التنظيم السرى، والثانى كان عن الجماعة، وها هو الثالث.. «قطب» الذى أنتجته الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية وقناة «دى إم سى».

الفيلم صُنع بشكل رائع اشتمل على كل عوامل الجذب والنجاح.. مادة تاريخية بُذل للحصول عليها جهد كبير، وصياغة جيدة، وإخراج جميل وممتع وشيق، وربط مثير للأحداث، وتوظيف طيب للدراما التسجيلية التى ابتعد صناع الفيلم هذه المرة عن الاستعانة بمشاهد من أعمال درامية أخرى..

المشاهد الدرامية التسجيلية وظفت بحساب ولم يتم حشوها ثم تم تضفير هذا كله مع مداخلات ضيوف العمل من مراقبين ومحللين وشهود للأحداث أبرزهم بالطبع اللواء فؤاد علام، المقاتل الجسور لعشرات السنين فى مواجهة الجماعة، وقد نال من الهجوم عليه ما يكفى لإثبات كفاءته فى التصدى لهم، وهو الرجل الذى لو استمعوا لنصيحته فى السبعينات وتحذيره من خطر الاعتماد على الإخوان ودعمهم لتغيرت أمور كثيرة!

وكذلك المداخلات المهمة التى تنوعت فى تناول الأبعاد الشرعية والفقهية والنفسية والسياسية والتاريخية والأدبية للدكتور أسامة الأزهرى والدكتور يحيى الرخاوى والزملاء الأعزاء حمد سيد محمود وأحمد سمير وسلمى أنور وحنان حجاج والدكتور كمال السعيد حبيب وعمرو فاروق وأحد المشتركين فى حادث المنشية خليفة عطوة، وبرع النجوم الممثلون وائل على وإيهاب إسماعيل وهانى التابعى وسمير صبرى وحنان الفيومى ونسرين مجدى وهابى حسن، وبالطبع مع كاتبه أحمد الدرينى ومؤلفه ومخرجه شريف سعيد، والباحثة شيماء العزب وعدد كبير من الفنيين المبدعين مع إدارة واعية ورشيدة!

جميعهم أطلقوا معاً على تاريخ الإخوان المزيف وجرائمهم المعنوية. والأدبية والأخلاقية بحق شعبنا.. الطلقة الثالثة!
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف