المساء
محمد جبريل
محمد رسول الله والذين معه "13"
في تناوله للفترة ما بين المسيح عيسي عليه السلام ومولد محمد ــ صلي الله عليه وسلم ــ أشار إلي انتظار الناس "الفارقليط" الذي بشر به المسيح. وإلي أن البشرية ظلت تنتظر ظهور ذلك الفارقليط. وأنه هو النبي العالمي الذي بشر به الأنبياء في توالي مراحل التاريخ. وقال عنه المسيح "إن لم أذهب لم يأت الفارقليط الذي سيمكث معكم إلي الأبد. ولا تخلو من دلالة ــ في قول القرآن الكريم "ومبشراً برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد".
ويتوقف الكاتب ليستعرض الفترة منذ أيام إبراهيم الخليل إلي يوم مولد الرسول ــ صلي الله عليه وسلم ــ في مجالات الحياة المختلفة.. مر العالم بما يمر به عالمنا اليوم من صراعات بين المذاهب الاقتصادية. والمباديء الأخلاقية والتحررية والإباحية والفوضوية. والفلسفات الجادة التي تبحث عن جوهر الحقيقة. والفلسفات التي تدعو إلي تحصيل اللذة والسرور. وتمجيد الجسد. وإنكار الروح. بالإضافة إلي الكثير من المعتقدات والمذاهب والتيارات الدنيوية والدينية.
والحق أن الشرق لم يعرف ــ منذ فجر التاريخ إلي مولد الرسول ــ صلي الله عليه وسلم ــ من نظم الحكم غير النظام الملكي المستبد الذي استمد سلطانه من السماء. بادعائه أنه وكيل الإله في الأرض مرة. وبزعمه أنه هو الإله نفسه مرات.
أما في الغرب. فقد استبدلت رومة حكم الملوك بحكم الشيوخ فظهرت الجمهورية واقتصر حق مجلس الشيوخ ــ صاحب السلطة العليا ــ علي مناقشة ما يعرضه أحد كبار الحكام من المسائل. وإصدار قرار فيها. وكانت قراراته في هذه المسائل استشارية محضة ليس فيها قوة القانون. وإن كان لعظم المكانة التي تمتع بها المجلس ما دفع الحكام إلي العمل بتوصياته في معظم الأحيان.
هذه هي أساليب الحكم في العصور الخالية ــ والقول للكاتب ــ ملكية مستبدة أو جمهورية سرعان ما يدب في ديمقراطيتها الفساد. أو قيصرية أو كسروية. إنها أساليب الحكم نفسها في العصور الحديثة. يعاني الشعب ما يجافي أبسط حقوق الإنسان. بينما الطبقات الثرية تستأثر بكل شيء باسم الحق الإلهي. أو باسم الشعب. و بحق القوة والقهر.
لكن رسل الله وقفوا ــ علي مر العصور ــ في وجوه الجبارين وانتزعوا منهم حق الناس. وشرعوا لهم ما يصلح دينهم ودنياهم. ويشحذ ضمائرهم لسعادة البشرية جمعاء. عرفت البشرية العزة والكرامة والسعادة الحقة في ظل الدين. وتفيأت ظلال العدالة إن تفيأت القوانين السماوية وتمرغت في حمأة والاستبداد والظلم. إن طال بالناس العهد. وقست قلوبهم.
وكان محمد ــ صلي الله عليه وسلم ــ هو آخر رسل السماء. بشر بالإسلام. العبادة النزيهة التي هي عبادة الله وحده. تتجه إلي إله عادل لا فرق بين أمة وأمة. ليس إله شعب دون شعب. ولا فرق بين أسود وأبيض أمام عدالته. فهو رب الناس جميعاً. إله الناس جميعاً. لا ينظر إلي ألوان عباده. ولا إلي عصبية عبيده. فهو إله البشر جميعاً. يحاسبهم علي أعمالهم.
هذا هو الإله الذي دعا محمد ــ صلي الله عليه وسلم ــ إلي عبادته. وهذا هو دين الإنسانية الذي أنزله ــ سبحانه ــ علي رسوله. وهذه هي نزاهة العبادة. فلا فضل لأحد علي أحد إلا بالتقوي.
ولنتأمل قول القرآن الكريم: "يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثي وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا. إن أكرمكم عند الله أتقاكم". "وما أرسلناك إلا كافة للناس". "وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين".
للكلام بقية
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف