لدى الأشاعرة المسلمين أن باب الاجتهاد قد أغلق فى القرن الرابع الهجرى.
هل تعرف ماذا يعنى هذا؟
يعنى أنه لم يعد أمام المجتمعات الإسلامية إلا الاختيار ما بين بدائل تراثية.. للتعامل مع مقتضيات عصورهم.. يعنى انسياب كم هائل من السُنن والأحاديث مُسَلم بها، ومعلومة من الدين بالضرورة بلا قدرة لأحد على فحصها.. ويعنى أيضاً غل يد مسلمين تطوروا وتنوّروا وعرفوا عن فتح ملف التدليس والوضع والمكذوب والضعيف والمتروك والمرسل، وكل ما دخل على الحديث النبوى.. ويحتاج إلى إعادة فحص.. وإعادة تثبّت.
الاجتهاد فى أساسه قائم على التحرّر للخروج من مقدمات واضحة لنتائج مناسبة. بالمفهوم الدينى «صريح المعقول من صحيح المنقول». وصريح المعقول يعنى الإمكانية المتاحة دائماً لإعادة استنباط الأحكام الشرعية، بما يوجب التيسير.. ودوام المصلحة.
اختلفت مجتمعات المسلمين بالضرورة عام 2020 عنها فى 500 ميلادية.. وتختلف المصالح نفسها فى 3030.. لذلك يبقى الاجتهاد فريضة.. لا يمكن أن يتحمل مسئولية إغلاق بابها أحد.
الاجتهاد هو التعقّل فى فهم العقيدة.. لا مجرد الاعتقاد بالتسليم. التسليم فى أحكام الدنيا واليقين الدائم بأن أحكام الماضى دائمة حتى مع تغيّر الظروف وتطور المجتمعات فكرة ضد المنطق.. وضد فلسفة الدين ذاتها.
تاريخياً، وصل التسليم الأشعرى بالمسلمين إلى ما لا يتصور.. ولا يعقل.. ولا يجوز أحياناً. فى «المستصفى» (ج1 ص124) وصل الإمام الغزالى إلى أنه «يجوز نسخ القرآن بالسُنة والسُنة بالقرآن.. لأن الكل من عند الله عز وجل».
المعنى أن السنة النبوية لم تصل فقط وقتها لمكانة مقدّسة لا يجوز الاجتهاد فيها أو معها.. إنما وصل بها بعضهم إلى مرتبة فيها كثير من الكلام.
لا يتصور أحد ما فعله التسليم الأشعرى.. ولا يتصور أحد أيضاً ما أدى إليه باب الاجتهاد المقفول من انعدام الجرأة فى التعاطى مع فحص كثير مما شهر عن النبى (صلى الله عليه وسلم) دون يقين.
النتيجة كانت سوء نقل.. وسوء تفسير، وسوء استرشاد بأحاديث نسبت إلى النبى (صلى الله عليه وسلم)، وهو لم يقلها، فتسببت فى تشويه العلاقة بين المسلمين وغير المسلمين.. وحفّزت قتال الأبرياء باسم الجهاد.. وأحاديث أخرى أقام بها الدواعش حد الحرابة على المعارضين.
لا يعنى تجديد الخطاب الدينى فقط مجرد تغيير مفردات الدعاة والأئمة فى خطب الجمعة.. التجديد الحقيقى يبدأ من حرية المجتهدين الكاملة فى إعادة النظر فى التراث، وفى قصصه، وفى أحكامه.. وفى كل شىء.
يتوقف التجديد الحقيقى على حجم الجرأة فى اعتبار المسلمين الأوائل مجتهدين أوائل فى بيان مقاصد الله من التشريع.. وعلل أحكام النص.. والمصالح من وراء شرعية تلك الأحكام.
لكن إغلاق باب الاجتهاد هو الذى أوقع المسلمين بعد ألف وأربعمائة عام من وفاة النبى فى حيص بيص، فحاصرتهم مطرقة اجتهادات قديمة من ناحية.. وسندان تحريم أى اجتهاد جديد فى الطريق لأحكام شرعية مبتكرة لزمان جديد وثقافات مختلفة.. من ناحية أخرى.
لذلك ظهر من احتكر الله لصالحه كالدواعش.. أو من وظف أحكام الله لقتل الآخرين باسم الله.. كالإخوان!