الوطن
عماد الدين اديب
«خطأ القرن» الفلسطينى!
قبل أن نلوم الإسرائيلى على رفضه للسلام، وبشاعة احتلاله الاستيطانى، وقبل أن نسأل بأى حق تقرر الإدارة الأمريكية مصير شعب ومنطقة؟ يجب أن تكون لدينا شجاعة مواجهة النفس ونسأل: أين حدود مسئوليتنا عما حدث؟

وما الذى أوصلنا إلى أضعف موقف تفاوض ممكن أن يصل إليه مفاوض وهو موقف عدم القدرة على رد الفعل؟!

ما الذى جعل الإسرائيلى يتبجح ويظلم ويفترى ويتجبر؟

قد يقول قائل لأنه قوى، أو لأنه مدعوم من يهود العالم، أو لأن الولايات المتحدة تدعمه بشكل مطلق، قد يكون كل هذا فعلاً، ولكن العنصر الأهم ليس لأن إسرائيل قوية وتلعب أوراقها ببراعة، ولكن لأننا ضعفاء ونمتلك أكبر قدر من الفشل فى إدارة الصراع حرباً أو سلاماً!

تاريخ القضية الفلسطينية هو للأسف تاريخ الفرص «الضائعة» والإدارة الخاطئة للصراع سواء فى ميدان القتال أو على مائدة المفاوضات.

فى كل مرة نرفض عرضاً بتسوية بشروط من الطرف الآخر نرفضها تحت منطق «كل شىء أو لا شىء».

نحن نؤمن بأن فلسطين التاريخية من البحر إلى النهر، وأن القدس يجب أن تعود حتى آخر ملليمتر، وأن اللاجئين يجب أن يعودوا حتى آخر فلسطينى، وأن التعويضات عما حدث يجب أن تدفع لنا حتى آخر دولار أمريكى وشيكل إسرائيلى، وحتى يتحقق ذلك ظللنا نرفض.

وفى كل مرة نرفض، يأتى عرض آخر أقل مما سبق، بحيث يتناقص المعروض بالتوازى مع تناقص قوتنا على الأرض.

فى المفاوضات، كما يقول تشرشل، أن تحصل على قيمة عناصر قوتك، قد تحصل على أقل منها إذا أسأت التفاوض، لكنك أبداً لن تحصل على أكثر مما تستحق.

وما بين الانقسام الفلسطينى، والصراع الداخلى بين الفصائل الذى تعدى الصراع مع العدو الحقيقى، وما بين استقواء كل فصيل بطرف إقليمى، وفساد المال السياسى وصدارة المصالح الخاصة على المصالح العليا، وصلنا فى هذا الظرف الإقليمى والدولى إلى صفقة القرن.

الصفقة هى عرض من يملك القوة إلى من لا يملكها، وهى عرض على مائدة المفاوضات متروك للتفكير به لمدة 4 سنوات بعدها ينتهى «الأوكازيون».

إنه عرض يمثل عقلية «مقاولى البناء» التى تسيطر على «ترامب» وأسرته، التى تعمل فى هذا المجال منذ عقود.

حينما تعود إلى كتاب «فن الصفقة» لترامب الذى صدر عام 1996 تجد ما يقوله عن أسلوب عرض شراء العقار:

1- تشدد فى العرض للنهاية.

2- لا تخش من ضياع العرض إذا تأكدت أن الطرف الثانى لا يملك أى خيار آخر.

3- ضع سقفاً زمنياً ولا تترك الوقت مفتوحاً لإتمام الصفقة.

4- نحن نؤمن أنكم أضعتم كل فرص السلام وكل فرص النضال الشعبى حينما عسكرتم الانتفاضة!

حجة فريق الصفقة الأمريكى برئاسة جاريد كوشنر:

«رفضتم قرار الأمم المتحدة عام 1948، ورفضتم شروط المهزوم بعد 5 يونيو 1967، ورفضتم مشروع بن جوريون، ومشروع آلون، ومشروع ديان، وكامب ديفيد، والحكم الذاتى، ورفضتم خطة كلينتون فى آخر شهر من حكمه، ورفضتم الورقة الأمريكية فى واى ريفر، الآن علاقات القوى تغيرت، الوضع الجغرافى تغير، معادلات المنطقة والعالم تغيرت، لذلك عليكم أن تقبلوا -برجماتياً- بالأمر الواقع، إنه عرض أكثر من حكم ذاتى وأقل من دولة فى ظل سيطرة كاملة للدولة العبرية على مفاتيح الأمن والسيادة والاقتصاد».

نحن الآن ندفع فاتورة تاريخية متراكمة ومؤجلة منذ عام 1948 فى سوء إدارة الأزمة والصراع فى الحرب والسلام، القتال والتفاوض، السياسة والاقتصاد، الدعاية والتسويق السياسى للقضية الفلسطينية.

نحن الآن نواجه لحظة الصدق الحقيقية للإهمال المتعمد، وللتهاون التاريخى، وسوء الإدارة لقضيتنا التاريخية بعدما ظهرت أعراض الضعف على المريض وأصبح أمامه خياران كلاهما أسوأ من الآخر: إما أن يموت برفض العلاج، وإما أن يقبل العلاج الموصوف بجراحة كل أطرافه فيموت لاستحالة الحياة.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف