الوطن
محمد البرغوثى
خلّى فسيلتك ماهوجنى.. بلاها بازروميا
ماذا لو علم صانع القرار فى مصر أن دولته بإمكانها أن تثرى من الأخشاب الفاخرة، بما يزيد على ثراء آبار النفط والغاز ومحاجر الذهب، شرط زراعة 100 مليون شجرة خلال عشرة أعوام، من الأصناف التى نستورد منها بسعر يفوق 25 ألف جنيه للمتر المكعب؟

وماذا لو تأكد أن مصر بإمكانها زراعة أكثر من 50 مليون شجرة خشبية من: الماهوجنى، والتك، والبلوط، والحور، والأبانوس، والورد، فى طرق وشوارع المدن والقرى المصرية فقط، بما يدر على خزينتها ثروة تقدر بنحو 1.9 تريليون جنيه سنوياً، تتضاعف إذا تمكنا من إحلال هذه الأشجار بدلاً من مصدات الرياح التقليدية فى الصحارى والغيطان القديمة.

تبدأ هذه الخطة جنى ثمرتها الأولى بعد 12 عاماً من غرس الدفعة الأولى، (10 ملايين شجرة)، لتنتج نحو 150 مليون متر مكعب من أجود أنواع الخشب فى العالم، تقدّر قيمتها كأخشاب غير مصنعة بنحو 3.8 تريليون جنيه، تعقبها الدفعة التالية، مع استمرار الإحلال والتجديد، لتستمر دورة الزراعة والحصاد سنوياً.

وبما أن جميع الوحدات المحلية فى مصر، التى تضم فى تكوينها قرى وعزباً وكفوراً ونجوعاً (4709 قرى)، وتندرج تحت مراكز حضرية، ومحافظات إدارية، تملك ميزانيات سنوية للتجميل والإصحاح البيئى، وأيضاً بما أن المجتمعات العمرانية الجديدة تخضع لتخطيط يعتمد على فراغات نسبتها 60% من الأرض، فإن مصر أمامها فرصة ذهبية لجنى ثروة هائلة من الجزء المعمور، الذى يأكل ويشرب إجبارياً، ليلاً ونهاراً، «دون تحميله بما يثمر قيمة مضافة».

وبحساب أطوال الطرق فى محافظات مصر، حتى نهاية 2018، نجد أنها تبلغ 170 ألف كيلومتر طولى، وهى طرق ذات جانبين، ومنها ما تفصله جزر وسطى بجانبين أيضاً، أى أن متوسط ضِعف هذا الطول يزيد على 400 ألف كيلومتر، أى 400 مليون متر طولى، يمكن تحميلها بعدد 200 مليون شجرة فاخرة، بدلاً من الفيكس والبازروميا.

هذه الثروة الخشبية، تفوق مالياً ما تحققه مصر من الزراعة التقليدية والحديثة مئات الأضعاف، وليس فى ذلك مبالغة، إذا عرفنا أن شجرة الماهوجنى تنتج خلال فترة من 12 - 15 عاماً، نحو 15 متراً مكعباً من الخشب، لا تقل قيمتها الاقتصادية عن 225 ألف جنيه، قبل تصنيعها، و375 ألف جنيه ألواحاً للتصنيع.

وبحساب القيم الغائبة فى باب «القيمة المضافة»، فإن أشجار الماهوجنى التى يزيد طولها بمعدل مترين سنوياً، تلقى بظلالها على الأسفلت، فتمنع عنه الحرارة، وبالتالى تزيد من عمره الافتراضى، فإذا زُرِعت حول المبانى، سواء كانت سكنية أو حكومية، فإنها تصد عنها (البرد والشرد)، وبالتالى تخفّض فاتورة تكييف الهواء صيفاً، أو تدفئته شتاءً، بنسبة محسوبة لا تقل عن 50%، حسب دراسات موثقة.

بيئياً، تسهم هذه الأشجار بارتفاعاتها الشاهقة (30 متراً)، ومسطحها الورقى الخضرى العريض، فى امتصاص ثانى أكسيد الكربون نهاراً، وضخ الأكسجين النقى فى البيئة، نتيجة التمثيل الغذائى الذى يعتمد على الضوء فى تخليق كربوهيدرات الشجرة، ومعنى ذلك أنها تلتهم ثانى أكسيد الكربون الناتج عن عوادم السيارات، وجميع الأنشطة السلبية البشرية نهاراً، (كل شجرة تمتص نحو 300 كجم سنوياً ثانى أكسيد الكربون)، بمعنى أنها تخفّض من حجم الانبعاثات الحرارية التى ترفع محتوى الغلاف الجوى من الغازات الدفيئة، المسببة للتغيرات المناخية الحادة.

وللعلم، فإن الدول الصناعية الكبرى التى طالبتها اتفاقية باريس للمناخ فى ديسمبر 2015، باتخاذ تدابير فعلية للحد من الانبعاثات الحرارية الناتجة عن صناعاتها الثقيلة، كانت قد أَجبَرت منذ عدة أعوام شركات صناعة السيارات العملاقة، على زراعة 17 شجرة، مقابل كل سيارة تنتجها، وبدأت فعلاً الشركات فى زراعة غابات عملاقة لهذا الغرض، تحمل أسماءها.

الإحصاءات المطمئنة حتى الآن تقول إن مصر ليست صاحبة رقم كبير فى حجم التلوث البيئى على الكرة الأرضية، حيث لا تزيد نسبتها من الغازات الدفيئة على 0.6% من حجم الانبعاثات العالمية، لكن أمامها فرصة كبيرة لتصبح هذه النسبة صفراً، وذلك بزراعة مخللات المدن والقرى، والمجتمعات العمرانية الجديدة بهذه الأشجار.

ومن المعلوم، أن مصر تنتج فى جميع أوجه الأنشطة البشرية والصناعية والزراعية على أرضها، نحو 280 مليون طن ثانى أكسيد الكربون سنوياً، وهذه الكمية يمكن امتصاصها باستبدال الماهوجنى والتك والبلوط والورد بأشجار الفيكس، والكازورينا، والكافور، المستخدمة كمصدات رياح فى المزارع، ومن هنا يمكن إتمام زراعة الـ100 مليون شجرة خشبية فاخرة. بعد هذا الاستطراد، تفرض عدة أسئلة نفسها:

- ماذا لو تم التوجيه من مجلس الوزراء، بإلزام وزير التنمية المحلية بوقف الإنفاق جمالياً على زراعة «البازروميا» والفيكس، التى توفر بيئة لتوطين حشرات الذباب المنزلى والبعوض، وتنقل البق الدقيقى إلى زراعاتنا الغذائية؟

- أليس بإمكان وزارة الزراعة التعميم على جميع مديرياتها بتوجيه الجمعيات الزراعية فى كل ريف مصر، بضرورة تعميم استبدال أشجار الماهوجنى بالصفصاف والكافور والكازورينا على الترع والمصارف والمساقى، لحفظها أيضاً من الانهيارات الدائمة، بالجذور الوتدية؟

- أليست مصر فى حاجة إلى توفير فواتير الكهرباء بصد الصقيع والحرارة عن المبانى فى المدن، أو إطالة عمر الأسفلت على الطرق الرئيسية والفرعية؟

* النتائج المؤكدة لنجاح تحويل المدن المصرية إلى مدن خضراء، هى جنى ثروات طائلة دون تكاليف، سوى تشغيل مشاتل خاصة وحكومية تخلق فرص عمل بالملايين، بدلاً من البطالة المقنعة فى مشروع التوك توك، وخفض استهلاك الكهرباء إلى نحو 50%، وإضافة عمر افتراضى جيد إلى أسفلت طرق بطول يبلغ نحو 200 ألف كيلومتر.

بالمناسبة: هذه ليست خطة خيالية ولا مبتكرة، فإذا لم تجد آذانا مصغية من الحكومة، فابدأ بنفسك، واجعل فسيلتك ماهوجنى؟
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف