الوطن
د. محمود خليل
"الإخوان" ليست "الإسلام"
لست أدرى لماذا يخلط البعض بين «الإخوان» و«الإسلام»، ويعتبرون أن ديننا الحنيف هو «دين الجماعة»!. العجيب أن أغلب من يقعون فى هذا الخلط يشكلون مجموعة من الأقلام والأصوات التى تسعى إلى محاربة أفكار الإخوان. يُسقط هؤلاء رفضهم وغضبهم من فكر الإخوان على الإسلام فى حد ذاته، وبدلاً من أن يتّهموا الجماعة بتشوش الفكر وتسخير الدين لخدمة أهداف سياسية، يلجأون إلى اتّهام المسلمين المعاصرين، وكذا الأجيال السابقة من المسلمين بتهم تتأسّس على إهدار السياق والقفز على حقائق التاريخ والجغرافيا بصورة تثير الشفقة.

يراجع هؤلاء التاريخ الإسلامى أيام الأمويين والعباسيين، فيتوقفون أمام مشاهد الفتك والقتال، وقطف الرؤوس بالسيوف، واغتنام الغنائم وسوق الأسرى والأسيرات، وفرض الجزية على من لا يدخل فى الإسلام، ثم يقولون انظروا هذا هو ما تعلمه العرب من الإسلام!. مثل هذه الاستخلاصات ترتكز على إهدار السياق وتغفل -بقصد أو بدون قصد- أن سمات الحروب فى هذه المرحلة كانت ترتكز على ذلك، كذا كان يفعل الفرس والروم، وكذا فعل التتار. وعلى من يريد أن يتأكد من ذلك أن يراجع بنفسه كتب التاريخ. ولماذا نذهب إلى التاريخ؟ دعونا نسترجع أحداث الواقع وسوف نجد أن الغزو الأمريكى - البريطانى للعراق راح ضحيته ما يزيد على نصف مليون عراقى ماتوا حرقاً أو ذبحاً أو هدماً أو ردماً. ثم انظر كيف تم التعامل مع الأسرى والأسيرات من أبناء وبنات العراق فى سجن «أبوغريب»، وعمليات التعذيب والاغتصاب وهتك العرض التى فضحها إعلاميون وكتاب غربيون يتمتّعون بضمير إنسانى حى.

اقترب أكثر من الواقع المعيش واذهب وراجع ما طرحه «نتنياهو» -عقب الإعلان عن خطة «ترامب» للسلام- من أن حماية الفلسطينيين سيتولاها جيش الاحتلال الإسرائيلى نظير مبالغ تدفعها السلطة الفلسطينية لتل أبيب، ثم قل لى ألا يُعد ذلك إحياءً لمفهوم الجزية الذى غادره الزمن؟!.

التطرّف والإرهاب لا يرتبطان بأى دين سماوى، بل يرتبط بحفنة من البشر المصابين بجنون العظمة، ممن تصوّر لهم خيالاتهم المريضة أن بإمكانهم تسيير العالم، طبقاً لأفكارهم ورغباتهم، ولا يستطيع أمثال هؤلاء ممارسة فكرهم الشاذ إلا عند توافر ظروف معينة فى الواقع. كان الرئيس الأمريكى الأسبق «ريجان» يردّد أفكاراً عن معركة «هرمجدون»، ويؤمن بالمحرقة النووية، وأن الله سوف ينجيه هو والمخلصون من أمثاله منها، وأن المسيح سيرفعهم إلى السماء، ليراقبوا ما يحدث عن بُعد، و«بوش الثانى» كان يقسّم العالم إلى فسطاطين «محور الخير ومحور الشر»، مثلما كان يفعل أسامة بن لادن ويقسم العالم إلى فسطاط الكفر وفسطاط الإيمان، وقد حدثتك عن الأفكار التوراتية التى تدفّقت بسخاء أثناء الإعلان عن خطة «ترامب» للسلام.

الإسلام دين يؤمن به ملايين البشر، خرج منهم مجموعة متطرّفة الفكر والمزاج والرؤية، وتحول تطرّفها إلى إرهاب، لكن المسلمين العاديين فى كل دول العالم هم بشر بسطاء يريدون العيش فى سلام ويكتوون من التطرّف أياً كان شكله أو ذريعته مع غيرهم من البشر. وإذا كانت الجماعات المتطرّفة، ومن بينها الإخوان، ترى أنها والإسلام وجهان لعملة واحدة، فيجب ألا يحذو من يريد مواجهة فكرها حذوها.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف