حسام حربى
الإنسانية.. شاهد ماشفش حاجة!
«أنا لو اعرف هقول على طول»، لو عاد الزمن 100 مرة إلى الوراء لم أكن لأتخيل أن الجملة الضاحكة للزعيم عادل إمام تحولت إلى واقع مرير نعيش فيه.. ما معنى أن تتجرد من مشاعرك فتتحول إلى عين تشاهد ولا تعلق، وأذن تسمع وكأنها والعدم سواء، وفم يعرف الحقيقة ولا ينطقها؟.. أتساءل: ما شعور شخص يمسك تليفونه المحمول ويصور آخر يحاول الانتحار، أو مشاجرة تنتهى بمقتل أحد الأشخاص وكأنه يوثق حدثاً لا يأتى إلا كل 100 عام، وإلى آخر: كيف يرى رجولته وهو يبدع فى تصوير فتاة يتحرش بها موتورون نفسياً.
فكرة التصوير ليست هى الأزمة، ولكن نظرية «أنا مالى» هى الكارثة الحقيقية، لك أن تتخيل أن شاباً يقدم على فعل التحرش بفتاة ولا يخاف، بالطبع لأنه متأكد أن المجتمع الذكورى سيقف بجانبه، إلا أن الحقيقة التى يجب الاعتراف بها هى أننا تحولنا لأناس تعانى من مشاعر إنسانية مجرّدة.
صديق لى سُرق تليفونه المحمول أثناء سيره فى الشارع، فقام بالجرى خلف الحرامى، وما إن وصل إليه واسترد تليفونه وهو يصرخ «يا حرامى يا حرامى» إلا ووجد كل من حوله يقف ويشاهد الواقعة وكأنها شاشات معلقة على جدران منازلهم.. صدمة صديقى فى الناس كانت كبيرة لدرجة أنه انحاز لصفهم ولم يفعل شيئاً مع اللص بل تركه يرحل فى أمان.. حينها تذكرت تمثال الثلاثة قرود، أحدهم يضع يده على فمه، والثانى على عينه، بينما الأخير يضعها على أذنه، والذى يبدو أنه من كثرة النظر إليه تحول إلى قدوة سيئة بين الناس.. للأسف الخلل المستمر فى معيار الإنسانية أحدث انهياراً حقيقياً فى جذور المجتمع فتحول الجميع إما وحوشاً أو جبناء، فالأول مرتكب والثانى أخرس لا يدافع.
ولأن إرساء أبسط مبادئ الإنسانية يحتاج إرادة عليا وسط ما يزاحمنا من عادات سيئة، كانت البداية من أعلى قيادة فى الدولة، حيث يسعى الرئيس السيسى لإرسائها ونشرها بكافة الطرق، فنراه حريصاً على الوجود بين أبناء الشهداء فى الأعياد، فمحاولته تعويض غياب الأب هى أسمى معانى الإنسانية، كما أن كلماته وسط الأقباط فى مناسباتهم وتأكيده الدائم على النسيج الواحد تعكس لنا أن الدين فى أساسه إنسانى قائم على التسامح والاحترام بين الأديان. وأتذكر نصيحة الرئيس فى منتدى شباب العالم فى نسخته الثانية، إلى جموع الحاضرين، قائلاً: «أنصح شباب العالم بأن يجعلوا الإنسانية منهجهم».
أين دور التعليم، سواء مدارس أو جامعات، لماذا اختفت قصور الثقافة التى كانت تحث على تهذيب الفكر الثقافى والاجتماعى، أين المؤسسات الدينية، لماذا تتعالى الأصوات عند وقوع الكارثة وتنخفض الأصوات بقدمها، أين كل هؤلاء من إنشاء وتأسيس مواطن بدرجة إنسان؟ فلتكن معركة الوطن بكافة مؤسساته هى بناء الإنسان قبل أى شىء، فإذا كنا فقدنا إنسانيتنا وأصبحت تتلاشى فى أجيال انغمست فى هوس السوشيال الميديا بكل أشكالها واعتبرت أن كل شىء مباح، فعلينا لحاق الأجيال المقبلة.