المصرى اليوم
نيافة الأنبا موسى
الشباب.. وضبط الدوافع (الغرائز)
تحدثنا فى الأسبوع الماضى عن: أولاً: قوة الغرائز، ثانيًا: موقع الغريزة فى الكيان الإنسانى، ثم ثالثًا: موقع الغريزة فى الكيان الإنسانى.. ونستكمل موضوعنا..
رابعًا: أمثلة للدوافع (الغرائز):

أصبح العلماء يفضلون الآن كلمة «الدوافع» (Motives) بدلاً من الغرائز (Instincts)، فالغريزة موجودة فى الحيوان للأكل، والشرب، والتناسل، والهروب من الأخطار... إلخ.

يولد الإنسان وفى أعماقه غرائز (دوافع) كثيرة، وهى- بلاشك- مقدسة أصلاً وأساسية للحياة، ولحفظ الوجود الإنسانى. لكن الخطيئة بعد السقوط جعلت الغرائز تنحرف أو تضغط أو تخطئ.. ولكنها أساسًا كانت مقدسة حين خلقنا الله، ومازالت أساسية للحياة، فمثلاً:

- بدون غريزة «الجنس» لا زواج ولا نسل!! - وبدون غريزة الأمومة لا حياة ولا نمو للأطفال.

وهذه بعض الأمثلة للغرائز (الدوافع):

1- غريزة الطعام والشراب: التى تجعل الطفل والفتى والشاب، الكبير والصغير، يهتم بأن يجد طعامًا ليأكل، ولو ضاعت هذه الغريزة لهلك الإنسان جوعًا.. وكذلك دافع «الشراب»، فالماء أساسى للحياة أيضًا!

2- غريزة حب الحياة: فالإنسان فى أعماقه التطلع إلى الخلود، ولا يحب أن يموت، ولذلك يحافظ على حياته بكل ثمن، سواء من جهة السكن فى مكان مأمون من الحشرات أو الهجمات.. أو من جهة مراعاة الصحة الجسدية والعلاج.. أو الهرب من أى مخاطر تهدد الحياة.

3- غريزة الجسد: التى بدونها ينقرض النوع الإنسانى، فهى أساسية ليس فقط للترابط والتعاون فى الحياة، ولكن فى النسل والإنجاب لاستمرار البشرية. ومن هنا ترفض الأديان أى خروج عن الجنس السليم المقدس، حيث يضيع هدف الحب النقى والتناسل، وتبقى فقط الشهوة الحسية الزائلة. كذلك ترفض الأديان الممارسات الشاذة، حيث تعتبرها انحرافًا بالطبيعة البشرية، وخروجًا على هدف الجنس السامى، ونوعًا من النجاسة الأكيدة، مهما حاول البعض الترويج «للجنسية المثلية» أو «الزواج المثلى» أو الادعاء أنها فى التكوين الجينى للإنسان، فهذه كلها ترهات، وقد أثبت ذلك العلم الحديث. وأيضًا أعلنت الكنيسة القبطية الأرثوذكسية من قبل، وكان على رأسها قداسة البابا شنودة الثالث، فى مجلس الكنائس العالمى، رفض وإدانة المثلية، استنادًا إلى تعاليم السيد المسيح، ونصوص الكتاب المقدس بعهديه: القديم والجديد، والتعاليم المسيحية، وتعتبرها خطيئة تخالف الفطرة التى خلق الله البشر عليها.. ولهذا السبب أهلك الله فى العهد القديم أهل سدوم وعامورة وقت لوط.

4- غريزة حب الاستطلاع: وهى جوهرية فى الوصول إلى الاكتشافات العلمية والجغرافية الأساسية للحياة الإنسانية، وكمجرد مثال أن حب الاستطلاع هو السبب فى اكتشاف القارة الأمريكية شاسعة الاتساع، بشمالها وجنوبها، وبما فيها من خيرات فى الزراعة والمواد الخام والبترول والغاز الطبيعى والفحم الحجرى والأنهار والأمطار.. وها هى تحوى مئات الملايين من البشر، القادمين من دول أخرى، ليعيشوا فيها مع أجيالهم.. بعد أن كانت تسكنها أقلية ضئيلة من السكان الأصليين. ونفس الكلام ينطبق على أستراليا.. وعلى كل منجزات العلم الحديث.. وهذا كله لخير الإنسان وإسعاده، مادامت الغريزة تسير فى الخط السليم.

5- غريزة حب التملك: التى تجعل الإنسان يحب أن يقتنى وأن يغتنى.. ومادام هذا فى حدود ضبط القلب فى مخافة ومحبة الله، وعدم الاستعباد لرذيلة حب القنية، يكون الامتلاك مشروعًا، ويمكن أن يستثمره الإنسان لخيره الشخصى، وخير أسرته ومجتمعه.. وها نحن نسمع عن أغنياء أسخياء فى العطاء وكرماء فى التوزيع، مثال لذلك بيل جيتس، مؤسس شركة «مايكروسوفت» الذى كُتب عنه: «أغنى رجل فى العالم يتصدر قائمة المتبرعين لدعم الفقراء».. كذلك مارك زكوربيرج مؤسس «فيسبوك»، ولدينا فى تاريخ الكنيسة المعلم إبراهيم الجوهرى والأنبا أبرام، أسقف الفيوم، وكثيرون... إلخ.

6- غريزة الخوف: وهى التى تجعل الإنسان حريصًا أن يبتعد عن كل ما يضر بحياته الجسدية، سواء من جهة الكوارث أو الأمراض، وتجعله يهرب أيضًا من كل خطر يمكن أن يهدد حياته، سواء من جهة البشر أو الطبيعة أو الحيوانات والآفات الضارة.. أو الإشعاعات الصادرة من أجهزة ونفايات.. أو من الأوبئة والأمراض، فها هو فيروس كورونا، الذى يهدد الصين وعددا من البلاد، وتتخذ دول العالم حاليًا احتياطات لمقاومة وصوله إليها.. أو من تلوث البيئة: الماء والهواء والغذاء.. هذه كلها أمور مشروعة وطيبة، وكذلك أساسية لحفظ الحياة، أما الحياة فهى عطية الله: «أَنَّنَا بِهِ نَحْيَا وَنَتَحَرَّكُ وَنُوجَد» (أع 28:17). وهى فرصة لتمجيد الله، كما قال القديس بولس: «مَجِّدُوا اللهَ فِى أَجْسَادِكُمْ وَفِى أَرْوَاحِكُمُ الَّتِى هِيِ للهِ» (1 كورنثوس 20:6).

إن كل مكونات الإنسان مقدسة، لتجعله سعيدًا فى الدنيا، تمهيدًا للسعادة فى الآخرة.

أسقف الشباب العام بالكنيسة القبطية الأرثوذكسية
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف