قد يبدو عنوان هذا الموضوع، أو الموضوع نفسه، غريباً، إذ من الذي يلفت نظره مسائل عابرة مثل دقة الهنود، نسبة إلى الجنسية الهندية، في مهنهم الإلكترونية بالذات. ولكي تزول هذه الغرابة أعلن هنا أنني من بين من تلفت نظرهم هذه الدقة وهذه الاحترافية العالية لدى هؤلاء القوم الذين تُلف كثير من أياديهم بحرير. كان لدي جهاز (آيفون) فقد ملامحه من كثرة الكسور والرضوض والخدوش. وبعد أن مررت به على أكثر من محل صيانة كان الجواب دائماً: إنس الموضوع واشتر لك جهازاً جديداً بدل هذا البخل الذي يدل عليه دورانك حول محلات إصلاح الجوالات.
في البحرين، وفي كشك منزوٍ في أحد المراكز التجارية الصغيرة والعادية، وجدت ضالتي في بسطة هندية تبيع وتُصلح كل شيء إلكتروني. سألت الواقف في هذه البسطة عن إمكانية إصلاح الجوال البائس الذي يراه أمامه فأومأ برأسه بالموافقة. وبعد طول نقاش أكد أنه سيعيده لي جديداً وكأنني اشتريته للتو. لم أصدق لكنني وافقته، وتركت الجوال عنده لساعة ونصف ثم عدت لأجد جوالي، ما شاء الله تبارك الله، وقد عاد فعلاً جديداً معافى لا شائبة تشوبه؛ لا من أمامه ولا من خلفه. وعندها، أي عند هذه النقطة الإصلاحية الصغيرة أو التي تبدو صغيرة، عرفت لماذا أصبحت دولة الهند من النمور الاقتصاديين الذين ينافسون وسوف ينافسون، بشكل أقوى، أعتى الاقتصادات العالمية.؟! السر، بطبيعة الحال، في التمكين من الدولة، وفي الرغبة الكامنة في كل مواطن هندي بأن يكون العقل أو اليد التي لا يُستغنى عنها في عالم اليوم ومتغيراته الاقتصادية والتكنولوجية.
هناك في تلك البسطة الإلكترونية البسيطة طرف أو ملمح من الاقتصاد المعرفي الذي طالما تحدث عنه الأكاديميون والخبراء، باعتباره التحدي الأكبر الذي ستواجهه الدول والشعوب في السنوات المقبلة. الهند، فيما يبدو، قبلت هذا التحدي قبل عشرين أو ثلاثين سنة فأصبح اقتصادها قوياً وأصبح أبناؤها وبناتها، أينما حلوا، محل ترحيب واستقطاب؛ من وادي السيليكون في كاليفورنيا إلى رصيف على ناصية في لندن أو المنامة. عقبال أبنائنا وبناتنا.