الوطن
وائل لطفى
خوار حول الحوار
يستمر الجدل الذى أحدثه حوار شيخ الأزهر ورئيس جامعة القاهرة حول قضية كبرى هى قضية تجديد الفكر الدينى. ومما يحسب لهذا الحوار أنه كان حواراً جاداً فى وقت لا ينشغل فيه الرأى العام كثيراً بالقضايا الجادة، وأنه طرح رؤوس موضوعات كبرى للنقاش، وأثار عدداً من الأسئلة، لعل أبرزها السؤال الذى يقول: هل من حق غير الأزهريين الانشغال بقضايا تجديد الفكر الدينى والمساهمة فيها؟

لقد بدا من سياق الحوار ومن الكلمة الختامية التى ألقاها فضيلة شيخ الأزهر أن إجابته هى لا.. حيث وصف عملية تجديد الخطاب الدينى بأنها «صناعة فنية دقيقة»، وأنه لا ينبغى أن يتحدث فيها «الموهوبون فى الحديث عن كل الموضوعات»، ورغم أن التخصص مطلوب بكل تأكيد، فإن عملية تجديد الفكر الدينى عملية واسعة ينبغى أن يشترك فيها المتخصصون فى التاريخ والاجتماع والفلسفة وعلوم اللغة وعلم المعرفة.... إلخ، كما ينبغى إفساح المجال فيها للمساهمات التاريخية التى تراكمت عبر السنوات المختلفة، وكذلك إفساح المجال لمساهمات المفكرين غير المصريين من العرب والمسلمين الذين حقق بعضهم إنجازات فكرية فاقت ما تحقق فى مصر خلال العقود الأخيرة، ولعل هذه إحدى القضايا التى يجب أن تناقش مع شيخ الأزهر بهدوء وتأنٍّ.. حيث لا معنى لاستئثار الأزهر بعملية تجديد الخطاب أو تجديد الفكر، فى الوقت الذى تغيب عن كلياته تخصصات مختلفة لا غنى عنها لخوض حوار مثمر حول عملية التجديد، وفى هذا السياق فربما يكون من المفيد أن تبادر جامعة القاهرة لعقد مؤتمر حول تجديد الفكر الدينى، وأن توجه الدعوة للأساتذة الأزهريين ولفضيلة الإمام الأكبر.

من القضايا التى أثارها الحوار أيضاً ما ساقه فضيلة الإمام الأكبر حول فضل التراث على المسلمين، وأنهم بفضله وضعوا قدماً فى الصين وقدماً فى الأندلس، وهو ما استدعى حواراً حول مفهوم الفتوحات الإسلامية، وهل هى غزو أم فتح، كان من أبرز المساهمين فيه الكاتب الكبير الصديق خالد منتصر، وكان أن ثار نقاش فى المجتمع برزت فيه وجهة نظر تقول: «لماذا نعتذر عن الفتوحات الإسلامية بينما شن الغرب علينا الحروب الصليبية؟»، وهى وجهة نظر يتبناها الإمام الأكبر نفسه، ولعله من المهم هنا توضيح أن الغرب اعتذر عن الحروب الصليبية، وأننا لم نعد نرى فى الغرب تنظيمات ولا جماعات تطالب بإحياء الحروب السابقة أو العودة إليها، على عكس الحال فى عالمنا الإسلامى منذ عام ١٩٢٨ وحتى الآن.. ففى هذا العام ظهرت جماعة الإخوان المسلمين لتطالب بإحياء الخلافة الإسلامية وتبشر بأستاذية العالم أو سيطرة المسلمين عليه بعد أن يتبعوا منهج الجماعة، ثم كان أن ظهر تنظيم الجهاد فى السبعينات كامتداد لجماعة الإخوان المسلمين وفصيل خارج عليها، وألَّف مؤسسه عبدالسلام فرج كتاب (الفريضة الغائبة) متحدثاً عن فريضة الجهاد التى غابت عن المسلمين، وآن أوان إحيائها، ثم ظهر تنظيم داعش ليبيع للمسلمين وهم الخلافة الإسلامية والفتح الإسلامى للأراضى غير الخاضعة للخلافة. والمعنى أن هناك مَن يستثمر فكرة الفتح الإسلامى حالياً ليبيح الذبح والحرق وتقطيع الأطراف، وهو ما يستدعى حواراً حول مفهوم الفتح الإسلامى وارتباطه بمفاهيم وطرق الحروب فى العصور الوسطى، وما إذا كان علينا فى القرن الـ٢١ أن نتبنى هذا المفهوم أم نعتذر عنه، أو أن نقيمه تقييماً علمياً محايداً ونجتهد بشأنه اجتهاداً جديداً.. وعلى الله قصد السبيل.

تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف