الوطن
ناجح ابراهيم
هتاف المحبة بين «محمد والمسيح»
من لا يعرف الحب، فلن يستطيع أن يكتب عن «المسيح» أو «محمد» عليهما السلام، فالمسيح صاحب هتاف «الله محبة» ولن يعرف العبد ربه ويعبده حقاً إلا إذا كان محباً للكون كله، حتى يحب خصومه ولا يكرههم ويريد لهم الخير والهداية والعافية. ومن لا يعرف الحب والعفو والصفح، فلن يعرف الرسول محمد «ص»، الذى جعل شعار دينه «السلام عليكم» وهتف دوماً: «لن تدخلوا الجنة حتى تحابوا»، ورفض أن يدعو على «ثقيف» التى قتلت أصحابه «اللهم اهدِ ثقيفاً» أو يدعو على قومه الذين آذوه وحاولوا قتله فقال: «اللهم اهدِ قومى فإنهم لا يعلمون» وحينما تمكن منهم لم يعذبهم، كما عذبوه ولم يقتلهم، كما قتلوا أصحابه بل قال: «اذهبوا فأنتم الطلقاء».

ومحبة المسيح الحقيقية ليست كلاماً يقال أو شعارات ترفع، بل هى العمل بوصاياه واتباع نهجه وهكذا صدح المسيح: «إن كنتم تحبونى فاحفظوا وصاياى»، ويردد: «إن أحبنى أحد يحفظ كلامى» أى اعملوا بوصاياى.

أما القرآن، فيشترط اتباع النبى كعلامة ودليل على حب الله «قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِى يُحْبِبْكُمُ اللَّه»، ويهتف النبى فى البشرية كلها أن محبته واتباعه سابقة على غيرها «لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين». ومن لا يحب أخاه فى الإنسانية، فلا يستحق الحياة ولن يشعر بطعم الحب الحقيقى. فها هو المسيح يخاطب الكون كله «من لا يحب أخاه يبق فى الموتى»، أما النبى محمد عليه السلام يردد: «لن تؤمنوا حتى تحابوا» ويكرر: «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحبه لنفسه».

فكيف يتسلل النور إلى قلبك وأنت تكره كل من حولك، وتتمنى لهم الشرور والآثام. ويصنف المسيح المبغضين للناس والكارهين لخلق الله بأنهم فى الظلمات يعمهون محذراً البشرية كلها من كراهية الإنسان لأخيه: «من قال إنه فى النور وهو يبغض أخاه فهو إلى الآن فى الظلمة». أما الذين يكرهون أقاربهم ويقطعونهم فهم الأسوأ، لأنهم يمزقون أرحامهم ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل.

فالرحمن سبحانه خلق الرحم وشق لها اسماً من اسمه« وأقسم بوصل من يصلها وقطع من يقطعها»، ولن يستطيع أحد أن يصل رحمه إلا إذا كان قلبه مملوءاً بمحبتهم والرغبة فى إسعادهم وحب الخير لهم، ولذا تجد هتاف المسيح آمراً للبشرية «تحب قريبك كنفسك» وهكذا حذر رسول الإسلام: «لا يدخل الجنة قاطع»، «لا يقبل الله عمل قاطع»، أى قاطع رحم، فضلاً عن هتافه الرائع: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليصل رحمه».

ولن يتدفق فى قلبك هذا الحب وهذه الرحمات إلا إذا تشرب قلبك بمحبة المحبوب الأعظم «الله سبحانه» الذى تستقى منه كل المحبات الجليلة.

فإن أحببت ربك بصدق، غمر قلبك بالحب لتحب الخلق جميعاً، تحب الأرض التى تمشى عليها، والسماء التى تنظر إليها، والمنزل المتواضع الذى تعيش فيه والطعام البسيط الذى تأكله، والأب البسيط الذى كافح بالحلال من أجلك، وتعتز بعطاء أمك الريفية وتشيد بها فى كل المحافل حتى لو كنت وزيراً، فإذا سجنت تحب الزنزانة التى تعيش أو عشت فيها، تحب حتى من آذاك، لأنه أهداك حسناته، تحب الكون كله، كما فعل رسول الإسلام حينما أراد ألا يودع الحياة وفى نفس أصحابه من جماد مثل جبل أحد شىء، فذهب بهم إلى الجبل وأطلق صيحته الإنسانية المدوية «جبل أحد يحبنا ونحبه».

الحب عطاء، وحينما يغمر الحب القلب يعطى بغير حدود ولا قيود ولا حساب، بلا منّ ولا أذى، الحب يعطيك قوة لا نهائية، وصدق تشيكوف حينما قال: «إذا كان فى وسعك أن تحب، ففى وسعك أن تفعل كل شىء «والمحب يعطى ولا يأخذ ولا يمل من تكرار العطاء»، وصدق «جوته»: «الحب يكون أقوى عندما يعطى أكثر مما يأخذ». كل من يدعى محبة الله وهو يضرب بتعاليم رسله وأنبيائه عرض الحائط، لم يعرف الحب حقاً. كل من يدعى محبة الله وهو يكره خلقه، فهو كاذب. كل من يدعى محبة الله ويعطى ظهره لأوامر الله ورسله، فهو أفّاك.

كل من يدعى محبة الله وهو بخيل شحيح حتى فى عواطفه لكل من حوله، فهو كاذب فى دعواه. الحب كرم وجود وبذل عطاء وتبسم ورحمة وعفو وصفح وتجرد وإخلاص.

إذا تدفق فى قلبك محبة المحبوب الأعظم «الله سبحانه» تدفقت كل المحبة النظيفة والشريفة والمخلصة.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف