بوابة الشروق
سامح فوزى
معارك إحسان عبدالقدوس
أشعر منذ فترة أن المجتمع المصرى فقير فى الكتابة الاجتماعية، فهو يعج بالأكاديميين أصحاب اللغة الصعبة، وأحيانا المتعالية، أو بأصحاب اللغة السيارة الهشة، الذين يخوضون فى موضوعات لا تبنى المجتمع، وتظل تشعل حرائق أو تهيج الوجدان. فى كثير من الدول المتقدمة، الكتابة الاجتماعية لها جمهور واسع، سواء من الكتاب أو القراء، تجدها فى أيدى الناس، خاصة الشباب. فى كل مكان فى المواصلات العامة، أو على الشواطئ، أو فى أماكن الانتظار، الخ. بالطبع «الرواية» لها بريق، وتخطف القارئ إليها، ولكن هناك كتابات أخرى فى الثقافة، وعلم النفس، والمشاعر الإنسانية، لها جمهور واسع.
الزميلة العزيزة زينب عبدالرزاق، رئيس تحرير «ديوان الأهرام»، لها باع فى السينما والكتابة الاجتماعية، من كتابها عن «فاتن حمامة» عام 2015، إلى كتابها الأخير عن «إحسان عبدالقدوس معارك الحب والسياسة». الكتاب لطيف، ممتع، لغته سهلة، غاصت فيه فى شخصية وكتابات الأديب الكبير إحسان عبدالقدوس، تشعر معه أنها محامية له، تؤمن به، ومن لا يؤمن به؟ البعض بالطبع.
وصفت الكاتبة بطلها «إحسان عبدالقدوس» بأنه شديد الواقعية فى كتابته الصحفية، فى حين كان رومانسيا شديد الرقة والعذوبة فى كتابته الأدبية، أفضل من عبر عن «الجنس اللطيف» أو «حواء» فى قراءة مشاعرها، وهمومها، وظنونها، وتحديات المجتمع أمامها. امتلك شجاعة الرد على اعتراض الرئيس عبدالناصر على مجموعته القصصية «البنات والصيف» بقوله «إن الواقع أقبح بكثير»، وظل يبحث فى عيوب المجتمع، وفى العقد النفسية التى يعانيها الناس. والمرء، وصاحب القلم تحديدا، هو دائما حصيلة واقعه وبيئته وظروفه، وحياة إحسان عبدالقدوس مليئة بالمؤثرات التى تبدو متناقضة، خاصة العلاقات داخل الأسرة بين الجد المتدين، والأب المهندس المولع بالفن، والأم المهتمة بالكتابة والمسرح. وصفه الكاتب الراحل لطفى الخولى بأنه «كتاب كبير بفصول متعددة لشخصية ثرية غاية الثراء فى الصحافة والسياسة والأدب وفن التعامل مع المادة البشرية فى الحياة»، وقد غاصت زينب عبدالرزاق فى هذه الشخصية الثرية من حيث النشأة، العلاقات الساخنة بين أدباء العصر، والاتهامات المتبادلة بينهم، علاقته بالسياسة، أفلامه، خاضت فى انتاجه الأدبى ومعاركه، وحواراته، بطلات أفلامه، التى سوف تظل علامات فى تاريخ الأدب والسينما على السواء.
يندرج الكتاب فى إطار الكتابة الاجتماعية، التى يحتاجها المجتمع اليوم، ولاسيما الشباب الذين يبحثون عن معانٍ فى الحياة. رصدت فيه الأعمال الأدبية المهمة، وتفاعلات المجتمع السياسى، وعلاقة المبدع بالنقاد، ونظرة الجماهير للإبداع، والأهم الاديب الإنسان، من خلال استحضار كثير من مواقفه وعباراته.
بالطبع لن يُجمع الناس على شخص، وبالأخص إذا كان مبدعا، له من أحبه، ومن رفضه، لكن المهم أن ندرك أن التنوع مهم، وغياب الشخصيات الفكرية الثرية، حتى إن اختلفت فيما بينها، أضعف كثيرا من منسوب الثقافة الإنسانية فى المجتمع.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف