الوطن
محمد صلاح البدرى
موازنة الصحة.. واستراتيجية الإنفاق!
فى تصريح صحفى يتسم بالبهجة، أعلن مجلس الوزراء على لسان رئيسه الدكتور مصطفى مدبولى عن التوجه لزيادة مخصّصات وزارة الصحة فى العام المالى 2020/ 2021، الذى سيبدأ أول يوليو المقبل، بنسبة ١٠٠٪ عن العام المالى الحالى.. على أن يخصص من بينها 5 مليارات جنيه لمبادرات الاهتمام بزيادة عدد أسرة الرعاية المركزة، وحضانات الأطفال، والطوارئ بالمستشفيات.. التى ستبدأ فى التفعيل خلال الأشهر القليلة المقبلة.

التصريح مفعم بالأمل فى غد أكثر إشراقاً دون شك.. ويدل على أن هناك من لمس المشكلة القائمة منذ فترة ليست بالقصيرة.. وأدرك الحاجة الماسة لزيادة عدد أسرة العناية المركزة والحضانات التى نعانى من عجز شديد فيها منذ مدة طويلة..!

فطبقاً لإحصائيات عام ٢٠١٨.. تمتلك وزارة الصحة ستة آلاف سرير عناية مركزة فقط لا غير.. بالإضافة إلى وجود عدد أربعة آلاف وخمسمائة سرير فى المستشفيات الجامعية.. وهذه الأعداد لا تكفى بالطبع لتغطية الدولة المصرية، طبقاً للمعدلات العالمية التى تفيد بضرورة وجود سرير لكل ألفى مواطن على أقل تقدير.. ما يعنى احتياجنا بحد أدنى إلى خمسين ألف سرير.. أى إن العجز يصل إلى ٨٠٪ فى هذا الأمر تحديداً!

المشكلة ليست حديثة المنشأ.. بل حذر منه الكثيرون من فترة طويلة.. فتجربة البحث عن سرير رعاية مركزة فى المستشفيات الحكومية ليست سارة على الإطلاق.. ومحاولة وزارة الصحة تخصيص رقم مختصر لحصر الحالات ومحاولة توفير الأسرة وإن تمكنت من تنظيم الوضع بشكل بسيط.. إلا أنها لم تسفر عن جديد..!

كل طبيب فى هذا الوطن يملك العديد من الحكايات المؤسفة عن حالات احتاجت لسرير رعاية فى وقت ما ولم تجده إلا فى المستشفيات الخاصة وبمبالغ طائلة.. وبعضها لم يتمكن من توفير المال اللازم.. وفقدت حياتها نتيجة لهذا الأمر..!

التوجه الحكومى الجديد بمضاعفة موازنة الصحة، بالإضافة إلى طرح مبادرات لتوفير أسرة الرعاية أمر محمود للغاية.. المهم أن يتم توظيف الموازنة الجديدة بشكل متوازن بين تكلفة السرير -الباهظة بالفعل- وتكلفة تشغيله التى تحتاج إلى قوة بشرية متمثلة فى تمريض وأطباء.. وهو أمر ينبغى أن يوضع فى الحسبان بشكل واضح عند دراسة المشكلة.

نعم.. ينبغى أن نعترف أننا نعانى من عجز شديد ومطرد فى أطباء الرعاية المركزة.. عجز يجعل طبيب الرعاية الواحد يتابع أكثر من عشرة أسرة، على الرغم من أنه لا يجوز أن يتابع أكثر من ستة مرضى فى وقت واحد.. كما يجبر أطباء الرعاية على العمل لساعات أطول من المعتاد لعدم وجود العدد الكافى منهم.. أعرف طبيب رعاية بإحدى المحافظات الحدودية عمل لمدة خمسة عشر يوماً متصلة دون راحة.. حتى سقط مصاباً بأزمة قلبية.. لم ينج منها إلا برحمة الله.. وبقرار أن يغير تخصصه تماماً بعدها!

الأزمة تزداد كل يوم.. وقسوة العمل فى هذا التخصص تزيد من معدلات الهجرة الداخلية من الأطباء بعيداً عنه.. فضلاً عن انخفاض جودة الرعاية ذاتها..!

إن استراتيجية الإنفاق فى مجال الصحة ينبغى أن تراعى أن تحمل عوامل جذب للتخصصات التى نعانى من نقص فيها.. كأن يكون هناك حوافز مادية ومعنوية «مغرية» لتلك التخصصات.. كما ينبغى أن تراعى تكلفة التشغيل لأسرة العناية -من أجور للطاقم الطبى والمستهلكات الضرورية- بجانب تكلفة التأسيس..!

أعتقد أن قراراً بمضاعفة موازنة الصحة وتوفير أسرة للرعاية المركزة ينبغى أن يصحبه قرار بتخصيص جزء منها لجذب الأطباء لهذا التخصص.. حتى لا نصل إلى اليوم الذى نمتلك فيه أسرة الرعاية والمرضى.. ولا نمتلك الطبيب!!
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف