الأهرام
حسن فتحى
قصص مؤلمة وعبر من كورونا !
إن لم نقف جميعًا يدًا واحدة في الالتزام بتنفيذ الإجراءات المشددة لمنع انتشار كورونا، خاصة مع بدء تنفيذ حظر التجول الذي تمنيناه جميعًا، فقد نتأخر ـ لا قدر الله ـ في بلوغ بر الأمان الذي ننشده جميعًا..

هي فترة قاسية على الجميع من دون شك، لكن تعاوننا ووعينا جميعًا ومساعدتنا لأجهزة الدولة سيمكننا من اجتيازها، وتقليص عدد الإصابات إلى الدرجة التي يمكن معها لجنود الواجب من أطبائنا العظام ومن معهم من كل الطواقم الطبية المساعدة؛ من التعامل معها والوصول بأكبر نسبة منها إلى بر الحياة..

فرب مستهتر واحد أو متهاون في التقيد بإجراءات حماية نفسه والمجتمع، يُدخلنا جميعًا ـ لا قدر الله ـ في دوامة تثقل كاهل المجتمع والدولة، وتستنزف قدراتنا الطبية، في وقت صارت فيه بعض الدول "تُقرصن" مستلزمات طبية في طريقها لدولة أخرى، مثلما حدث في جمهورية التشيك، حيث انغلق فيه كل مجتمع على نفسه، وصار لسان حاله "نفسي ..نفسي"، وتلاشت كل معاني العولمة والتكتلات وحتى وحدة اللغة والدين.. فيما بدا أنه مشهد مُصغر ليوم الدين..

ولنا في تجارب الدول الأخرى عبرة لمن يعتبر..

ففي كوريا الجنوبية ، كان أول ظهور للفيروس بتاريخ 20 يناير، لسيدة عائدة من مدينة ووهان الصينية، وخلال فترة الأربع أسابيع التالية نجحت في تفادي انتشاره، مُسجلة 30 حالة لا غير، وهو رقم قليل، يمكن القول إنه مثالي، فقد كانت سباقة في قياس تحاليل الفيروس بشكل سريع.. لكن دون سابق إنذار ظهرت الحالة 31 فقلبت كل الموازين..فما هي قصتها؟

إنها لامرأة عمرها 61 عاما لاحظ الأطباء ارتفاع حرارتها إثر دخولها المستشفى عقب حادث مروري، ورفضت الخضوع لفحص كورونا وواصلت حياتها بشكل طبيعي؛ تنقلت مع صديقاتها بين الفنادق وزارت تجمعين دينيين، لتُعلن السلطات بعد موافقتها على إجراء الفحوصات أن هذه الحالة نقلت العدوى إلى 1200 شخص في البلاد! .. وعلى إثرها تفاقم انتشار الفيروس في كوريا الجنوبية ليبلغ أكثر من 8 ألاف حالة، 80% منها بسبب الحالة 31، بالإضافة إلى 75 ضحية، مسجلة أعلى الأرقام في آسيا بعد الصين!..

وفى إيطاليا الأمر لم يختلف كثيرا، فمنذ ٢٥ يناير حتى ٢٠ فبراير كان عدد الحالات 3 فقط، صينيان تم عزلهما في روما وإيطالي أصيب في ووهان والحكومة نقلته في طيارة خاصة لتلقي العلاج.. لكن يومي ٢٥-٢٦ يناير كانا بداية الانتشار المجتمعي لكورونا في إيطاليا .. فكيف حدث ذلك؟!

في ١٤ فبراير شعر ماتيا "لاعب كرة قدم وعداء إيطالي" بالتعب فذهب لطبيب فوصف له بعض أدوية البرد، وبعد يومين شعر بصعوبة في التنفس فتوجه للمستشفى فتم حجزه، وتطورت حالته إلى أزمة تنفسية ثم التهاب رئوي.. وفي 19 فبراير تذكرت زوجته أنه في يناير تناول الغذاء مع أصدقائه، وكان أحدهم عائدًا لتوه من الصين، فأجروا اختبارًا لها ثبت أنها إيجابية للفيروس، وتم اعتبارها الحالة رقم واحد بعد ذلك!

حتى جاءت ليلة ٢٠ فبراير التي غيرت وجه إيطاليا ، حيث تم التأكد من إيجابية ماتيا وأهله وأصحابه وكثير ممن خالطوه في الأيام التي مضت، بل وبعض المرضى وأعضاء من الفريق الطبى بالمستشفى، وحين خرج هو وزوجته من المستشفى كان عدد المصابين قد بلغ 9 آلاف حالة وعدد الوفيات أقل من ٥٠٠ بقليل.. لكن وضع إيطاليا اليوم صار مأساويا...

ومن القصص المؤلمة، ما رواه طبيب فرنسي على قناة TV5 قائلا "منذ بدأ انتشار الفيروس وأنا أشعر أنني في حاجة إلى الذهاب إلى طبيب نفسي، ولكني أحسست وكأنني أحترق من الداخل، بعد أن توسل لي مريض وهو يحتضر أن يرى أبناءه للمرة الأخيرة؛ وبعد إلحاحه وبكائه استجبت أنا والطاقم الطبي وبدأنا في تجهيز المكان حتى يتسنى للأبناء الدخول في أمان، وبعد اتصالي بهم رفضوا أن يودّعوا أباهم خوفًا من العدوى حتى أنني توسّلت لهم، لكنهم وبكل بساطة أغلقوا الهاتف في وجهي!

هنا شعرت فعلياً أنني أشتعل، انهرت ولم أعد أستطيع الذهاب إلى العمل وأنا اليوم أتابع جلسات العلاج مع طبيب نفسي وأتناول دواء قويًا، فقط لأستطيع أن أنام دون سماع توسّلات من كانوا البارحة مرضى وهم اليوم موتى!!.

فقد فروا من أبيهم في الدنيا، فكيف بمشهد يوم القيامة (يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ).

‏‏وقصة الطبيب "هاديو على" من إندونيسيا أكثر مرارة، فبعد علمه بإصابته بالفيروس، لم يطلب من أحد رؤية أبناءه، بل ذهب بنفسه ليلقي نظرة الوداع على أطفاله وزوجته.. ولكن بعيدًا عنهم من خارج أسوار المنزل!! "وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ".. والتقطت له زوجته صورة، أرشحها لأن تكون أكثر صور العام إيلاما، وهو ينظر إليهم النظرة الأخيرة، وتوفى بعدها بيوم واحد...

اللهم أرحمه، هو وكل من قضوا بسبب كورونا، ونجنا وكل البشر من هذا الوباء..
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف