لا يمكن لأحد أن يُنكر براعتنا الفطرية فى الكلام، حتى إن لغتنا تحتفى بذلك وتسميه؛ «تحدث، وتكلم، وخطابة» وغيرها من المصطلحات التى تشرح فعل النطق. و«جهاز النطق الإنسانى» هو مصطلح يشير إلى الأعضاء البشرية بين الشفتين فى الرأس والرئتين فى الصدر التى تشترك معاً فى عملية إصدار صوت الإنسان، وتتنوع أصوات البشر عن بعضهم تبعاً لاختلاف طريقة تحريك تلك الأعضاء.. وجهاز النطق به أعضاء ثابتة (مثل: اللسان واللثة)، وأخرى متحركة (مثل: الشفتين، واللسان، والأحبال الصوتية).
ما نحتاج إليه فى الحقيقة، بدلاً من إرهاق كل تلك الأعضاء طوال الوقت، هو تفعيل عضو واحد لدينا منه فائض، وهو الأذن؛ فإن تحدث الجميع ولم يستمع أحد، فهذا يساوى أن يكون الكل صامتاً. فمن له أذنان للسمع فليسمع؛ والمشكلة عندنا ليست فى ألسن تتحدث بلغة الواثق وتقدم معلومات طوال الوقت، بل المشكلة تتلخص فى الأذن التى تسمع تمهيداً لفهم وتحليل ما تتلقاه.
نقول فى فى كلامنا الرسمى «كلى آذان صاغية»، بينما مأثورنا الشعبى يؤكد على فكرة أن «ودن من طين وودن من عجين». وكثيراً ما يكون المتكلم مجنوناً، وننتظر هنا أن يصبح المستمع عاقلاً، لكن هذا لا يحدث طوال الوقت، فبعض من حولنا هم مثل «الزومبى» أو الموتى الأحياء، ممن ينطبق عليهم بيت الشعر القائل: «لقد أسمعت لو ناديت حياً، ولكن لا حياة لمن تنادى».
حتى هذا البيت الجميل، تحدث به كثيرون لمرات عديدة، حتى تاه أصله بين الشعراء، وأصبح يُنسب إلى ستة منهم دفعة واحدة، ولكن أغلب الظن أن صاحبه الأصلى هو «عمرو بن معد يكرب»، وكان من الصحابة، وقيل إنه من قتل «رستم فرخزاد»، قائد الجيش الفارسى فى عهد آخر ملوك الدولة الساسانية (أغلب الظن أن من قتله هو «زهير بن عبد شمس» صاحب البيت القائل: «أنا زهير وابن عبد شمس، أرديت بالسيف عظيم الفرس»).
تشريحياً، فالأذن من الداخل بها جزء يسمى «الكعبرة» ونحن واقعون فيه معظم الوقت، فوضعنا فى المناقشات خليط من «الكعبرة والكعبلة» مع أى شىء غير مفهوم. وإذا ما تقدمنا قليلاً إلى خارج الأذن نقابل جزءاً يسمى «المطرقة» وآخر يسمى «السندان»، وهو ما ينحصر بينهما معظم سنوات تاريخ منطقتنا. وإذا ما واصلنا أكثر نجد «الطبلة» التى يستخدمها كثيرون لإنتاج مقطوعات من العزف المنفرد. وحين نتقدم إلى خارج الأذن أكثر نقابل «صوان الأذن» وفيه سيتم أخذ واجب العزاء فى عقول البعض التى تحجرت بفعل غياب وتغييم الثقافة والتحضر والتنمية.
إذا كان عالم النباتات يزخر بنبات مثل «ودن الفيل» و«ودن الأسد» و«ودن الشايب»، فنحن فى عالم البشر لا نحتاج إلا إلى «ودن الفاهم» التى تسمع وتتدبر وتفهم بدلاً من أن تردد ما يصل إليها دون وعى، فتنتشر الإشاعات ويكثر الكلام الفارغ، حتى إن قاموس اللهجة العامية المصرية أصبح زاخراً بوصف هذا النوع من الكلام، فهو يسمى «هرى» و«هزى» و«هبد» وغيرها من المصطلحات التى تصف هذا الغثاء المحيط بنا.. فمن له أذنان للسمع فليسمع.