ظاهرة لافتة ارتبطت بالتفاعل البشرى مع جائحة كورونا. فقد لجأت بعض الدول إلى السطو على المعونات الطبية الموجهة إلى دول أخرى واحتجزتها لنفسها. قبل أيام ذكرت وسائل إعلام إيطالية أن الصين تبرعت بأقنعة لإيطاليا للمساعدة فى مكافحة فيروس كورونا، لكن جمهورية التشيك سطت عليها وسرقتها، وفى المقابل أعلن أحد مسئولى الصحة فى تونس أن إيطاليا -ضحية السرقة التشيكية- سطت على بعض المعونات الطبية الخاصة بمواجهة «كورونا» وهى فى طريقها إلى تونس واستولت عليها لصالحها.
دلالة الواقعتين خطيرة، وهى تذكر بمشاهد الجوع فى بعض الأفلام العربية والأجنبية حين تستحوذ الأنانية على بنى آدم فيخطف الخبز من يد غيره، حتى ولو كان غيره هذا أقرب الناس إليه، ليؤمّن به حياته. يتشابه هذا الأداء السلوكى مع أحد مشاهد القيامة التى وصفتها الآية الكريمة التى تقول: «يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ وَصَـحِبَتِهِ وَبَنِيهِ لِكُلِّ امْرِئ مِنْهُمْ يَوْمَئِذ شَأْنٌ يُغْنِيهِ». فالإنسان لحظة القيامة يصيبه ذهول من نوع غريب يفقده وعيه وتركيزه فيمن حوله بصورة كاملة: «يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ».
الظروف الاستثنائية تصحبها فى العادة سلوكيات استثنائية. والظرف الاستثنائى الذى فرضه ظهور فيروس كورونا على شعوب العالم أفرز سلوكيات عجيبة لدى الدول، كما ظهرت سلوكيات أشد قسوة ما بين شعوب الدولة الواحدة، حين انجرف بعضها إلى ماراثون التسابق على تخزين السلع الغذائية والأدوية واقتناء الكمامات والمطهرات وغير ذلك. يحدث هذا فى وقت تحتاج فيه شعوب كل دولة، وكذا دول العالم المختلفة، إلى استنفار كل طاقات التعاون والتنسيق فيما بينها حتى يتمكن الجميع من عبور المحنة. الأنانية فى مثل هذه الأحوال أشد خطراً على البشر من أية جائحة أو فيروس. حتى اللحظة الحالية يقترب عدد من توفاهم الله بسبب فيروس كورونا من الـ20 ألفاً، وأخشى أن تؤدى السلوكيات الاستثنائية التى ضربت بعض شعوب ودول العالم إلى وفيات تزيد بكثير عن هذا الرقم، نتيجة التدافع أو القرصنة أو الجوع أو الأنانية فى الحصول على المستلزمات الطبية.
الإعلام العالمى مطالب بالتعامل مع مثل هذه الظواهر. فمع الاعتراف بأنها ظواهر إنسانية إلا أنها قابلة للعلاج من خلال خطاب توعوى احترافى يدفع المتلقى إلى السمو الإنسانى والأخلاقى. مهمة الإعلام لا تتحدد فقط فى إثارة الفزع والتهويل بالأرقام الخاصة بعدد المصابين أو الضحايا أو أزمات المستلزمات الطبية وغير ذلك. أجهزة الإعلام مطالبة ببث محتوى يتجاوز الخلافات السياسية سواء بين دول العالم المختلفة، أو داخل الدولة الواحدة، لأن «كورونا» لا يفرق بين كبير وصغير، أو غنى وفقير، أو صعلوك وأمير، أو دولة وأخرى. على أجهزة الإعلام أن تتفهم أنها تشارك فى إدارة أزمة كونية تهدد البشر جميعاً وتتخلى عن أسلوبها المعتاد فى استثمار الأزمات والنفخ فيها جرياً وراء السبق والإثارة والتعايش على الفوضى!.