كرم جبر
إنها مصر- لماذا هى إرهابية ؟
لأن ماضيهم ملطخ بالقتل، وكانت دماء أحمد الخازندار وكيل محكمة استئناف مصر ورئيس الدائرة الأولى جنايات - وثيقة إدانة واقعة على جرائم الاغتيال السياسى ماركة «الإخوان المسلمين».
نموذج اغتيال الخازندار صار «موديل» لكل الحوادث الإرهابية التى شهدتها البلاد، وارتكبها شباب متهورون، سفكوا الدماء بفتاوى الشيوخ الكبار، أصحاب خدعة «نحن رجال دين ولا نفكر فى السياسة».
فى صباح يوم حزين من شهر مارس 1948، كان القاضى الجليل يخرج من منزله فى ضاحية حلوان، متمشياً فى ساعة مبكرة، وفجأة انطلقت 11 رصاصة غادرة اخترقت ثلاث منها قلبه وصدره.
وسقط رجل القانون على الأرض غارقاً فى دمائه، وتبعثرت ملفات القضايا التى يحملها على الأرض، وأسلم الروح لبارئها.
كانت جريرة الخازندار، أنه أصدر حكماً قبل ثلاث سنوات على بعض أعضاء الجماعة، بأدلة اتهام ثابتة واستخدم الرأفة، فنفذ حكم إعدامه إرهابيان من الجماعة، أحدهما فى العشرين من عمره والثانى فى الثانية والعشرين.
أثبتت أوراق القضية أن الإرهابيين قضيا ليلتهما فى دار تابعة للإخوان بحلوان، وكان الهدف من الجريمة توجيه إنذار بالإعدام، لكل قاضٍ ينفذ القانون ويصدر أحكاماً ضد جرائمهم الشائنة.
ووقف النائب العام فى ذلك الوقت ينعى للمجتمع بكلمات ساخنة وقائع اغتيال القاضى الجليل، قال: «لم أعرف حادثاً غلت له الصدور غلياناً من الصخب والغضب والاشمئزاز مثل هذا الحادث، ولم أشهد عملاً حارت الأمة فى صرفه وتفسيره كهذا العمل الشائن البشع، الذى أخذ الناس فى غرة وفاجأهم على غير استعداد».
>>>
أما النموذج الثانى فقد كان اغتيال محمود فهمى النقراشى رئيس وزراء مصر لأنه تجاسر على جماعة الإخوان، فصدر حكم القيادات الإرهابية بإعدامه رمياً بالرصاص.. وتم تنفيذ الحكم.
ففى تمام الساعة العاشرة من صباح يوم الثلاثاء 28 ديسمبر سنة 1948، وصل النقراشى باشا إلى المبنى الرئيسى لوزارة الداخلية، وأثناء صعوده درجات السلم الذى يحيط به كالمعتاد حرس الوزراء، وآخرون يرتدون الملابس الملكية.
وقبيل وصوله إلى المصعد المؤدى للدور الثانى أطلق عبد المجيد حسن، وكان مرتدياً ثياب ضابط برتبة ملازم أول، رصاصتين قضتا عليه فوراً، وغرق رئيس الوزراء فى دمائه الساخنة برصاص غادر.
كان النقراشى قبل اغتياله بعشرين يوماً أصدر أمراً عسكرياً بحل جماعة الإخوان المسلمين وشعبها والأماكن المخصصة لها وأمر بضبط أوراقها ووثائقها وسجلاتها ومطبوعاتها وأموالها وكل الأشياء المملوكة لها، وتعيين مندوب خاص مهمته تسلم جميع أموال الجمعية وتصفية ما يراه.
ولم يفعل النقراشى ذلك انتقاماً أو تصفية لحسابات مع الإخوان، وإنما بموجب مذكرة تلقاها من عبد الرحمن عمار - وكيل وزارة الداخلية لشئون الأمن العام - رصدت جرائم الإخوان من القتل والنسف والتدمير.
فكان جزاء التصدى لإرهاب الجماعة الإرهابية، اغتيال رئيس وزراء مصر، ودشنوا نموذجاً للاغتيالات السياسية، اتبعوه فى كل الحوادث اللاحقة.
إنها مصر
لماذا هى إرهابية ؟ «2»
لأنهم حاولوا أن يتعشوا بعبد الناصر، ولكنه سبقهم وتغدى بهم.
تصوروا فى البداية أنه يمكنهم اللعب مع الثورة كما لعبوا مع الوفد والإنجليز والقصر والأحزاب،فأيدوا الثورة ولم يختلفوا مع برنامجها أو بيانها الأول، واقتصرت مطالبهم فقط على تعيين بعض الوزراء الإخوان فى حكومة الثورة.
تصوروا أن شهر العسل يمكن أن يمتد طويلاً لينتهى الأمر بإحكام قبضتهم على البلاد، وأن يحققوا ما فشلوا فى تحقيقه مع الملك والوفد والإنجليز، ولكن سرعان ما انتهى شهر العسل وتحول الود إلى غضب، والنفاق إلى مواجهة، والمناوشة إلى قطع رقاب.
وكانت عملية قطع الرقاب الكبرى التى لن ينساها الإخوان فى عام 1965.
فى هذا التوقيت - 1965 - خرج سيد قطب من السجن، وكان يقضى عقوبة الأشغال الشاقة المؤبدة لمدة 15 عاماً، ولكن لم تمض سوى أسابيع قليلة حتى أعاده عبدالناصر للمعتقل مرة ثانية، وكانت التهمة هى التخطيط لقلب نظام الحكم وتخريب البلاد والقيام بسلسلة من الاغتيالات ونسف القناطر الخيرية وإغراق الدلتا والتسلل إلى القوات المسلحة بتجنيد الشباب من ضباط الاحتياط،وتم ضبط شحنة من الأسلحة وصلت من السودان للتنظيم السرى للإخوان الذى أعيد تشكيله لتنفيذ الانقلاب.
وانتهت المواجهة الدموية الكبرى بالزج بكل قادة الإخوان فى السجون والمعتقلات، مصطفى مشهور وكمال السنانيرى وعمر التلمسانى وأحمد حسين وعبدالعزيز عطية ومأمون الهضيبى وشكرى أحمد مصطفى وغيرهم،أما سيد قطب فكان مصيره الإعدام شنقاً.
وكانت السجون مثل الصوبة التى نما داخلها الفشل والعنف والقسوة وتكفير المجتمع، وأفرزت عقول المعتقلين أفكاراً اكثر سواداً من ظلمة الزنازين.
>>>
لماذا هى إرهابية ؟
لأنهم كافأوا السادات الذى فتح لهم أبواب السجون والمعتقلات بقتله.
طلب الرئيس السادات ملفات الإخوان المسلمين، وقرر الإفراج عنهم فى صفقة سياسية سريعة لم يفهم أحد حتى الآن أسبابها، ربما أراد أن يبدأ صفحة جديدة مع كل القوى السياسية، او استقطاب عناصر التيار الدينى لمناصرته فى صراعه مع الشيوعيين والناصريين ومراكز القوى، وأياً كان السبب فقد انفتح الباب على مصراعيه لتيارات العنف ونافورات الدماء، وانتهت المأساة بقتل السادات نفسه فى المنصة سنة 1981.
كانت خطيئة الرئيس السادات أنه ترك نجوم الإخوان يحكمون السيطرة على عقول الشباب.. وتسللوا إلى الجامعات واحتلوا وسائل الإعلام، وكان أخطرهم على الإطلاق عمر التلمسانى الذى خدر السادات وأجهزة الأمن وتجول فى البلاد من أقصاها إلى أقصاها، واستغل صداقته بكبار المسئولين فى الذهاب إلى المؤتمرات التى تعقدها الجماعات الإسلامية، وكان يتمادى فى الهجوم على الدولة بينما يتظاهر برفض العنف، ونفذ بدقة الخطة التى أقرتها الهيئة التأسيسية للإخوان التى انعقدت فى موسم الحج لعام 1975.
نفذ التلمسانى خطة إعادة إحياء تعليمات حسن البنا فى شكل جديد، والسير بالدعوة فى عدة اتجاهات سياسية واقتصادية وثقافية وإعلامية، وظهرت فى أعقاب ذلك المشروعات الاقتصادية الإخوانية وشركات توظيف الأموال التى امتصت دماء المصريين، وتغلغلوا فى الأحزاب السياسية خصوصاً الوفد والعمل.