الوفد
د. مصطفى محمود
الصين المفترسة
تحظى انتخابات منظمة التجارة العالمية باهتمام عام كبير وخاصة فى أمريكا ولمعرفة السبب علينا ان نعرف أولا أن بكين تبنى الجسورالاقتصادية حول العالم؛ ومؤخرا وقعت الصين على الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة، وهى اتفاقية تشمل 15 دولة تمثل 28 فى المائة من التجارة العالمية. ويكشف صعود الصين عيوب النظام الدولى، وبالطبع منظمة التجارة العالمية ليست استثناء؛ وخاصة أن نظام تسوية المنازعات الحالى لمنظمة التجارة العالمية غير مجهز للتعامل مع الهيكل الاقتصادى المفترس للصين. وبالمثل، فإن التجاوزات من جانب هيئة الاستئناف التابعة لمنظمة التجارة العالمية شجعت البلدان على متابعة الصفقات من خلال التقاضى بدلاً من التفاوض؛ بل وتترك منظمة التجارة العالمية أيضًا عن طريق الخطأ للأعضاء للإعلان عن أنفسهم على أنهم إما «متقدمين» أو «نامين»؛ فى حين أعلنت الصين، ثانى أكبر اقتصاد فى العالم، أنها دولة «نامية»، مما يمكنها من الحصول على معاملة تفضيلية مصممة للاقتصادات الناشئة. هذا التكتيك يزيد من حدة مصداقية منظمة التجارة العالمية.

ويظل السؤال المطروح هو ما إذا كان بإمكان الغرب أن يدافع عن إصلاح ذى مغزى لمنظمة التجارة العالمية لمعالجة الانتهاكات التجارية المتفشية فى الصين. وخاصة ان النظام التجارى العالمى فى حالة من الشلل لسنوات. وثمة تمييز منهجى تمارسه الصين ضد المنتجات والمنتجين الأجانب، بما فى ذلك إجبار الشركات الأجنبية على تسليم الملكية الفكرية. لذلك تحظى انتخابات منظمة التجارة العالمية باهتمام عام كبير وخاصة فى أمريكا، لأن أحكامها تؤثر على قطاعات كبيرة من الاقتصاد الأمريكى.
وسيكون من الحكمة أن تعزز الإدارة القادمة القيادة الأمريكية المعززة فى منظمة التجارة العالمية، وإن كان ذلك مع التركيز عن كثب على طموحات الصين الكبرى. ومن هنا ترجع اهمية ماحدث فى انتخابات المدير العام لمنظمة التجارة العالمية، والتى لا يتم تحديدها من خلال فرز الأصوات ولكن بالإجماع. حيث بقى اثنان من المرشحين، نيجوزى أوكونجو إيويالا النيجيرية ويو ميونج هى من كوريا الجنوبية. ومن المعروف إدارة ترامب عارضت ترشيح أوكونجو إيويالا لصالح ميونج هى، التى لديها سجل حافل فى تحدى بكين والتفاوض بشأن الصفقات التجارية، وهو أمر تفتقر إليه خصمتها. على الرغم من أن أوكونجو إيويالا تتمتع بدعم أوروبى وصينى ودول نامية، فقد أثار البعض المخاوف بشأن موضوعيتها نظرًا للعلاقات الاقتصادية المعقدة لنيجيريا مع الصين.

وتشمل هذه عددًا من القروض الصينية لبناء المطارات والبنية التحتية الأخرى، والتى يمكن أن يقع بعضها فى أيدى الصين فى حالة تخلف نيجيريا عن سداد القروض، وعلى الرغم من أن المدير العام يفتقر إلى سلطة فرض إرادته من جانب واحد على الدول الأعضاء، فإن هذه الانتخابات تأتى فى لحظة حرجة. إن مصداقية المنظمة على المحك، وتواجه كل دولة صناعية تقريبًا، باستثناء الصين، رياحًا اقتصادية معاكسة قوية وانتعاشًا غير مؤكد لفيروس كورونا. إن اختيار المدير العام لمنظمة التجارة العالمية الذى يُنظر إليه، بشكل عادل أم لا، على أنه يحترم الصين من شبه المؤكد أن يديم الشلل المؤسسى الحالى وقد يؤدى إلى مزيد من التصدع لنظام التجارة العالمى.

على العكس من ذلك، ومع تزايد عدد الدول التى تنظر إلى الصين على أنها عدو أكثر منها صديقة، فإن اختيار مفاوض تجارى متمرس يتمتع بالمصداقية فى واشنطن وخبرة فى مشاحنات بكين يمكن أن يكسر المأزق الحالى وينتج عنه عرض مثمر للمظالم. فى حين أنه من غير المرجح أن تفوز الولايات المتحدة وحلفاؤها فى كل نزاع تجارى، ويُظهر التاريخ أن الصين لديها سجل حافل بالامتثال لقرارات منظمة التجارة العالمية. وبالتالى، لذلك ترى أمريكا إن انتخاب شخص ملتزم حقًا بالإصلاح ومعالجة الممارسات غير السوقية فى الصين، مثل ميونج هى، يمكن أن يكون المفتاح لإطلاق العنان لمحرك الاقتصاد الجماعى العالمى.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف