المصرى اليوم
نيافة الأنبا موسى
معًا... نبنى الوطن: المواطنة - الحكمة - المحبة
أتصور أن هذه هى المفاتيح الثلاثة لدعم أواصر الوحدة الوطنية والانتماء فى وطننا المحبوب:

أولًا: المواطنة:

المواطنة هى مصطلح يشير إلى الانتماء إلى «أمة أو وطن»، وكلمة المواطنة والمواطن مأخوذة فى العربية من الوطن، أى المنزل الذى نقيم به وهو «موطن الإنسان ومحله». وتتميز المواطنة بنوع خاص من ولاء وأمانة المواطن لوطنه وخدمته له، فى كل الأوقات سواء فى السلم أو الحرب، والتعاون مع بقية المواطنين، بهدف تنمية وتقدم الوطن. لذلك لابد من غرس فضيلة حب الوطن وروح الانتماء، فى كل مواطن، مع إيضاح كيف أحب آباؤنا وأجدادنا مصر، وكم قدموا وبذلوا من أجلها، فلم يبخلوا بالفكر أو الوقت أو المجهود أو الدم. وحث المواطنين على المشاركة الإيجابية، المدفوعة بالحب دون انتظار المقابل فى كل المجالات.

ولكى تنمو المواطنة لابد من:

1- أن يتم تفعيل هذا المبدأ الدستورى المهم، الذى يساوى بين كل المصريين فى الحقوق والواجبات.

فهذا المبدأ- حين نحياه فعلًا مسلمين ومسيحيين- وكذلك حكومة ومعارضة- كبارًا وصغارًا، أغنياء وفقراء.. يستطيع أن يجعلنا نعيش ما يسمى «الوحدة فى التنوع»، فمع تعدد الأديان والأحزاب والمستويات الاجتماعية والمادية، ينبغى أن تبقى «المواطنة» و«المساواة» و«تفعيل القانون»، و«العدالة الاجتماعية» و«حضور الدولة المدنية»، أساسيات للنسيج الواحد، الذى يربط الكل معًا فى عقد واحد لا ينفرط. ومهما جاءت الأعاصير، من الداخل أو من الخارج، يبقى النسيج الوطنى متماسكًا، فى محبة وموضوعية. فالكل يمكن أن يعمل بإخلاص، من أجل مصر واحدة آمنة ومستقرة ونامية. وحين يحيا الكل فى محبة ومساواة، لا تكون هناك مشاكل اجتماعية.

2- وقد علمتنا دروس التاريخ أن علاقات المحبة الأصيلة، بين المسيحيين والمسلمين، هى صمام الأمن

الوحيد أمام كل مشكلة.

3- ولا شك أن وجود «مجموعة حكماء» فى كل قرية وحىّ، مهم جدًا للحفاظ على المحبة والوحدة، ولإطفاء أى شرارة فتنة بمجرد ظهورها.

4- ونحن نتمنى تشكيل هذه المجموعات المحلية، بسرعة، مع إعطائها فرصة العمل المدنى الطبيعى، لدعم أواصر المحبة، وتهدئه النفوس، وعزل دعاة الفرقة.

ثانيًا: الحكمة:

1- نحتاج جميعًا أن نسلك بحكمة، عندما ينشب أى نزاع طائفى، أو حتى اجتماعى (كما يحدث فى البيوت أو فى مباريات الكرة).

2- الحكمة تجعلنا نسلك بعقولنا وليس بعواطفنا وانفعالاتنا. والعقل دعا كذلك لأنه «رباط» يعقل ويضبط النفس والجسد. نقول «نعقل» الجَمَل، أى نربطه، لكى نحسن قيادته.

3- والعقل هو الذى يضبط انفعالات النفس، وحركات الجسد.

4- والكتاب المقدس يعلمنا: «مَالِكُ رُوحِهِ خَيْرٌ مِمَّنْ يَأْخُذُ مَدِينَةً» (أمثال 32:16).

5- ويوصينا القديس يعقوب: «لِيَكُنْ كُلُّ إِنْسَانٍ مُسْرِعًا فِى الاِسْتِمَاعِ، مُبْطِئًا فِى التَّكَلُّمِ، مُبْطِئًا فِى الْغَضَبِ» (يعقوب 19:1)، «غَضَبَ الإِنْسَانِ لاَ يَصْنَعُ بِرَّ اللَّهِ» (يعقوب 20:1)..

6- كما يوصينا الرسول بولس قائلًا: «اِغْضَبُوا وَلاَ تُخْطِئُوا» (أفسس 26:4)، أى إذا تصاعد فيكم انفعال الغضب، فلا تخطئوا لا باللسان ولا باليد. فالوداعة- وهى إحدى ثمار الروح القدس- معناها «ألا ننفعل، وإذا انفعلنا فلا نخطئ».

7- الحكمة هى صمام أمن للجميع، ونعمة الله العاملة فينا هى التى تمنحنا الحكمة فى التصرف، وتجعل العقل مستنيرًا وقادرًا على التمييز، فى الكلام والتصرف.

8- والكتاب المقدس يصف الحكمة بأنها: «طَاهِرَةٌ، ثُمَّ مُسَالِمَةٌ، مُتَرَفِّقَةٌ، مُذْعِنَةٌ، مَمْلُوَّةٌ رَحْمَةً وَأَثْمَارًا صَالِحَةً، عَدِيمَةُ الرَّيْبِ وَالرِّيَاءِ» (يعقوب 17:3).

9- يجب ألا نترك الانفعالات تعبث بنا، فإذا ما احتجنا إلى حكمة، فلنطلب من الله، لكى يعطى لنا «إِنْ كَانَ أَحَدُكُمْ تُعْوِزُهُ حِكْمَةٌ فَلْيَطْلُبْ مِنَ اللَّهِ الَّذِى يُعْطِى الْجَمِيعَ بِسَخَاءٍ» (يعقوب 5:1).

10- وواضح أن الحكمة البشرية محدودة وعاجزة، أما الحكمة الإلهية «النازلة من فوق»، فهى وحدها القادرة على حل المشاكل، حتى على المستوى الشخصى والأسرى، فكم بالحرى الاجتماعى والوطنى.

ثالثًا: المحبة:

1- هى المنهج المطلوب، فقد أوصانا الكتاب المقدس: «أَحِبُّوا بَعْضُكُمْ بَعْضًا مِنْ قَلْبٍ طَاهِرٍ بِشِدَّةٍ» (1بطرس 22:1).

2- وقال لنا: «بِالْمَحَبَّةِ اخْدِمُوا بَعْضُكُمْ بَعْضًا» (غلاطية 13:5).

3- أما من جهة ما يُسمى «الأعداء»: فقد علمتنا الأديان أن عدونا الوحيد هو الشيطان، المهم أن نبحث وراء المنظور (العدو البشرى)، غير المنظور (أى الشيطان الذى جنده). وحينئذ سنكتشف أن عدونا وعدوه واحد، وهو الشيطان، عدو الخير، الذى يحب أن يشعل الفتن، فى الأسرة والمجموعات الصغيرة والكبيرة، ليقف بعد ذلك مقهقهًا وفرحًا بالخراب والدمار.

4- إن وصية الرب لنا: «لاَ يَغْلِبَنَّكَ الشَّرُّ بَلِ اغْلِبِ الشَّرَّ بِالْخَيْر» (رومية 21:12)، ووعد الرب صادق وأكيد:

«اَلْمَحَبَّةُ لاَ تَسْقُطُ أَبَدًا» (1كورنثوس 8:13).

5- لهذا سوف نهزم كل محاولات الفرقة فى وطننا الحبيب مصر بالمحبة الصادقة، ولن نخضع لا للانفعال، ولا لعدو الخير، الذى يبغى خراب الجميع. ولتبق المحبة صمامًا لأمن مصر، بكل أطيافها.

حفظ الله مصر، بكل من فيها.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف