الوفد
د. مصطفى عبد الرازق
تأملات .. أكذوبة مفهوم «العائلة الإبراهيمية»!
المتابع لما يدور فى عالمنا العربى لا بد أن يلاحظ تلك الحالة من المثالية إن أردنا تعبيرًا مهذبًا أو ذلك الوضع من السذاجة بتعبير أكثر غلظة عن الحالة التى يجب أن تسود فى علاقاتنا مع غيرنا من الدول. يتبنى الكثير منا عن وعى أو عن غفلة ذلك النهج الذى يقوم على أن علاقاتنا يجب أن تقوم على النوايا الطيبة تجاه الغير وأن ذلك من المؤكد سيؤتى حصاده وثماره أن على المدى الطويل أو القصير. وإذا كان محيط علاقاتنا كعرب يتسع باتساع العالم، فإن العلاقة مع إسرائيل تبدو النموذج الأمثل على ما نقول.
والمقولة التقليدية التى تساق فى هذا الصدد سواء من خبراء المقاهى أو حتى من بعض الجالسين على كراسى الحكم هى مقولة أبناء العم، باعتبار أن اليهود والعرب تربطهما علاقة العمومة، وأن تلك الرابطة يجب أن تفرض نفسها، بما معناه تجاوز حالة العداء والانخراط فى علاقات طبيعية سلمية. ومن هذا المدخل تفتق ذهن البعض عن مقولة أخرى أكثر عمومية هى مقولة بيت العائلة الإبراهيمية فى محاولة لتجذير الرابطة بين العرب واليهود بالتأكيد على فكرة انتسابهم إلى جد واحد أعلى هو سيدنا إبراهيم عليه السلام.

بمقتضى هذا الفهم فنحن، عربًا ويهودًا، من عائلة واحدة هى العائلة الإبراهيمية، ويجب أن يحكمنا منطق العائلة وهو التفاهم وإدارة العلاقات على أسس تنطلق من الود والحب وحسن النية. كارثة هذا الطرح أنه ينطلق من مبادئ يصعب رفضها غير أنه فى الوقت ذاته يتغافل عن واقع مظلم وسيئ يصعب نكرانه، وقد ينتهى بنا لنكون مجرد قطعان فى حظيرة السياسة الإسرائيلية. فدولة إسرائيل التى قامت على أرض فلسطين لم تقم على ذات المبادئ التى يدعو إليها أنصار هذه الرؤية وإنما قامت على ذبح وتقتيل الفلسطينيين وتشريدهم ليحل محلهم اليهود من مختلف أنحاء العالم، فأين كانت المبادئ الإبراهيمية تلك التى يرفع لواءها بعض العرب هذه الأيام؟

وفى سعيها للتوسع والسيطرة فإن الدولة اليهودية بنت العم تضرب عرض الحائط بكافة القوانين والأعراف الدولية، وبعد 70 سنة من الصدام معها، يكاد الوضع أن ينتهى لتكون تلك الدولة بمثابة «ولايات متحدة» الشرق الأوسط التى يلجأ القاصى والدانى من الحكام العرب ليجدوا فى حضنها الأمن والأمان وهو وضع لم تستطع الوصول إليه إلا بمنطق القوة، وما حادث اغتيال العالم النووى الإيرانى محسن فخرى زاده والذى تشير الشواهد إلى أن إسرائيل هى التى تقف وراءه سوى تأكيد لهذا المنطق، ما يعنى أن فكرة العمومة وأننا كلنا أبناء إبراهيم ليس رسالة فى التسامح كما يدعى البعض وإنما هى محاولة لتسويق الوهم وتجنيد وسائل اعلامية وغير إعلامية مختلفة للترويج لهذا الوهم وزرعة فى عقول العرب.

ليست هذه بأى حال من الأحوال دعوة للكراهية أو عدم التسامح، بل على العكس، فكرة التسامح على حد ما ذهب مفكرون وفلاسفة عديدون يجب أن تحكم سلوكنا البشرى تجاه الآخر، غير أن ما أشير إليه هو ألا تكون الدعوة إلى التسامح الجسر الذى يمر من عليه المتخاذلون المتهاونون فى حق الأمة الساعون لنشر رذيلة التطبيع بين العرب.

وإذا كنا لسنا فى معرض تناول فكرى لهذا الأمر فإنه يجب أن نشير هنا إلى أنه حتى الأساس الذى تقوم عليه فكرة العائلة الإبراهيمية ربما يبدو واهيًا ذلك أن الصورة القرآنية لأنبياء بنى إسرائيل، بل وكذلك لسيدنا إبراهيم ذاته بالغة الاختلاف عن فهم العهد القديم لها، ما يقوض حتى من الفكرة الأم التى تجرى محاولة بناء البيت الإبراهيمى المزعوم عليها.

. وفى هذا الصدد لا يفوتنى التنويه بجهد الزميل الباحث مرسى الأدهم الذى أقدم على اعداد دراسة متكاملة حول هذا الموضوع، لم يتح لى قراءتها، أتمنى أن تجد طريقها إلى النور لعلها تلقى إضاءات أكثر تفصيلا على هذه القضية بعيدا عن حجم الاختلاف أو الاتفاق معها.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف