المجاز فى اللغة هو التجاوز والتعدّى. وفى الاصطلاح اللغوى هو استخدام لفظ يُقصد به غير معناه الحرفى بل معنى له علاقة غير مباشرة به. وهو من الوسائل البلاغية المهمة كثيرة الاستخدام. وهو من أفضل الوسائل البيانية التى توضح المعانى، وينقسم إلى قسمين كبيرين؛ المجاز اللغوى، والمجاز العقلى. الأول هو استعمال اللفظ فى غير ما وُضع له، كأن نصف الرجل الشجاع بالأسد مثلاً. والثانى يتعلق بإسناد الفعل، كأن نقول إن الطبيب شفى المريض، والواقع طبعاً أن الشفاء لله تعالى.
عدم تفسير النصوص الدينية بالمجاز، كلما أمكن، هو أمر يؤثر على عقلية الشعوب بشكل مباشر، وينتج عنها الفوارق الواضحة بين المجتمعات التى نراها الآن، فتراكم التصلب العقلى عبر مئات السنوات يؤثر فى كل مناحى الحياة بشكل عجيب وفريد.
بشكل عام، ما إن تلح حاجة البشر لأى شىء حتى ينشط كل من العلم والخرافة لتلبيتها، ويفوز منهما مَن يتوافق مع صفات كل شعب. وتحدث الأزمة حين تتماهى الفواصل بين العلم والشعوذة، وبين الدين والأسطورة.
نجد فى الأحاديث مثلاً ما يستحق التأمل فى ضوء ما سبق. أحد الأحاديث النبوية يقول إن «من قال إذا أصبح مائة مرة وإذا أمسى مائة مرة: سبحان الله وبحمده، غفرت ذنوبه وإن كانت أكثر من زبد البحر». (سهلة جداً!).. حديث آخر يقول إن «من قال سبحان الله، الحمد لله، لا إله إلا الله، الله أكبر يُغرس له بكل واحدة شجرة فى الجنة». (ما نفع الأشجار بالجنة؟ هل سيكون لكل منا مزرعته؟ أم سنستظل بها؟ وهل بالجنة شمس؟ وهل هى حارقة لأهل الجنة؟).. وفى مكان آخر يُقال «من قال سبحان الله العظيم وبحمده غرست له نخلة فى الجنة». وفى موضع ثالث: «من قرأ قل هو الله أحد عشر مرات بنى الله له بيتاً فى الجنة». (الآن أصبح عندنا بيت ونخلة وأشجار، وبالبحث أكثر قد نبنى ممتلكاتنا الخاصة بأحدث التشطيبات).
كما أنه يمكننا، تبعاً لحديث آخر، الفوز بألف حسنة ومحو ألف خطيئة عبر التسبيح مائة تسبيحة. أما ترديد «دعاء السوق» فيكفل لنا «ألف ألف حسنة»، ويمحو «ألف ألف سيئة»، ويرفعنا «ألف ألف درجة»، مع الحصول على بيت فى الجنة (غير البيت الأول). كما أنه من «صلى فى يوم وليلة اثنتى عشرة ركعة بُنى له بيت فى الجنة». (نحن الآن فى طريقنا لافتتاح شركة «الفردوس» للعقارات).
السؤال هنا، إن صحت تلك الأحاديث، هل تُفهم بالمعنى الحرفى أم المجازى؟ الأولى تحول الدين لدعوات تواكلية والثانية تجرده من الأسطورة.
كل الأديان جعلت من اتقاء الله إنقاذاً للإنسان، فإسلامياً: «من يتق الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب» (بعض التفاسير ترى أن هذه الآية قد تكفى وحدها الناس لو أخذوا بها «مثل تفسير الشيخ ابن تيمية»).. ومسيحياً «من يتق الرب يحصل على صداقة صالحة» (بعض التفاسير تذهب إلى أن تلك الصداقة هى علاقة مع الله «مثل تفسير القس أنطونيوس فكرى»).
أخى القارئ، إن كنت لا تؤمن بالمحتوى السابق، فلماذا قد تغضب منّى؟ وإن كنت تؤمن به فقد ارتكبت أنا خطأ وسوف أستخدم إحدى الطرق السابقة لمحو ذنوبى، وبالتالى فلا داعى للغضب أيضاً، فإن كان الله سيغفر لى خطاياى تبعاً لإيمانك، فلتغفر لى أنت كذلك.