د. مصطفى محمود
سياسة «الضغط الأقصى» على إيران!
الأيام القادمة حافلة بتحولات جديدة فى سياسة إيران، ومهما تغيرت السياسات الإيرانية إلا أنها تصب فى استراتيجية التوغل الغامضة التى تتبناها طهران نحوى النادى النووى الدولى؛ وهذا ما نراه من خلال البرنامج النووى الإيرانى الذى مر بالعديد من المراحل منذ انطلاقه وحتى الآن، مع الأخذ فى الاعتبار بتأثر جميع مراحله بالبيئة الإقليمية والدولية، وكذلك بالسياسة الداخلية لإيران؛ والتأثير الأهم فى ظل ما حدث على مدى العقدين الماضيين من تغيرات دولية، حيث جربت الولايات المتحدة وحلفاؤها استراتيجيتين مختلفتين تمامًا لاحتواء البرنامج النووى الإيراني. كان أحدها تطبيق عقوبات ساحقة على النظام، وشن عمليات سرية لتعطيل المنشآت الرئيسية أو قتل العلماء، والتهديد بعمل عسكرى علني. والآخر هو التفاوض على صفقات مع طهران جمدت على أثرها الأنشطة النووية الرئيسية، مثل تخصيب اليورانيوم، الى جانب الموافقة على عمليات التفتيش الدولية؛ وبالطبع الأمر اختلف الآن بشكل كبير؛ فقبل عامين والنصف، رفض الرئيس ترامب الاتفاق الدبلوماسى الذى تفاوضت عليه إدارة أوباما وطبق ما سمى حينذاك «الضغط الأقصى»، حيث نجح الاتفاق النووى لعام 2015 ، على الرغم من عيوبه، فى تقليص وتجميد تخصيب اليورانيوم الإيراني. وتلك الاتفاقيات قضى عليها تقريبًا، على الأقل حتى منتصف عام 2020، وعاد الكلام عن التهديد بأن إيران تسابق الزمن فى صنع قنبلة؛ و فى المقابل، فشلت العقوبات، حتى عندما نجحوا، فى منع إيران من التقدم نحو إنتاج الأسلحة النووية، ناهيك عن الفشل فى إسقاط نظامها. وبالطبع هذا السجل لن يتغير بسبب اغتيال العالم النووى الإيرانى والذى كان يترأس المجموعة العاملة على تصنيع القنبلة قبل تعليق المشروع فى عام 2003. ورغم أن العملية التى قتلت محسن فخرى زادة تعد عملاً سريًا رائعًا وفقًا لمعايير عالم الظل، وكما كان الانفجار الغامض فى يوليو الذى دمر منشأة إنتاج لأجهزة الطرد المركزي. لقد ألحقت العقوبات الأمريكية، المستمرة بالتصعيد، أضرارًا بالغة بالاقتصاد الإيراني. ومع ذلك علينا رؤية الأمر منذ مايو 2018، عندما سحب ترامب الولايات المتحدة من الاتفاق النووى متعدد الأطراف، فزادت إيران مخزونها من اليورانيوم المخصب إلى 12 ضعف إجمالى مخزونها بموجب الاتفاق، وفقًا لما أكده مفتشو الأمم المتحدة؛ بل واستأنفت تخصيب اليورانيوم فى منشأة تحت الأرض يعتقد أنها غير معرضة للهجوم الجوى، وبدأت فى تشغيل جيل جديد من أجهزة الطرد المركزى الأكثر تقدمًا. يعتقد بعض الخبراء أنها يمكن أن تنتج مادة لصنع قنبلة فى غضون أشهر. على الجانب الآخر لا يزال رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو، يستكمل أسلوبه الهجومى والتحريضى ضد إيران منذ شنه حملة ضد اتفاق 2015 ، متمسكًا باستراتيجية الضغط، على الرغم من افتقارها الواضح إلى النجاح الاستراتيجي. وبعد هزيمة السيد ترامب فى الانتخابات من قبل جو بايدن، أعلن السيد نتنياهو أنه «يجب ألا تكون هناك عودة إلى الاتفاق النووى السابق»، على الرغم من أن هذه هى خطة السيد بايدن المعلنة؛ لذلك يأمل الزعيم الإسرائيلى فى أن يؤدى مقتل السيد فخرى زادة إلى جعل استئناف الاتفاق أكثر صعوبة. إذا انتقمت إيران، فقد تزود السيد ترامب بذريعة لشن ضربات عسكرية ضد إيران؛ قبل تركه البيت الأبيض، وهو خيار يقال إنه طرحه مع مستشاريه ؛ بينما يحاول الرئيس الإيرانى حسن روحانى، الذى تفاوضت حكومته على الاتفاق النووى، إلى كبح أى انتقام من الاغتيال فى انتظار تنصيب بايدن؛ وخاصة أنه يرى أن ذلك يفيد كلا الجانبين، ولكن يجب الأخذ فى الحسبان أنه لن يكون الرئيس المنتخب بمثابة دفعة قوية لطهران، فقد ربط العودة إلى الاتفاقية باتفاقيات المتابعة بشأن قضايا مثل تطوير إيران للصواريخ بعيدة المدى وتصدير الأسلحة فى جميع أنحاء المنطقة؛ مع الأخذ فى الاعتبار أن حلفاء أمريكا من العرب العرب يرون أن المشروع النووى الإيرانى يهدد منطقة الشرق الأوسط.