كانوا يقولون لنا دائماً لا تنظر إلى نصف الكوب الفارغ، وانظر إلى النصف المملوء بالماء.. ويقولون لا تكن متشائماً، فالكوب به ماء فى نصفه.. وكأن القائل اكتفى فقط بالنصف المملوء ولا يريد غيره.. رغم أهمية النظر إلى النصف الفارغ حتى نبحث عن آليات لملئه إلى آخره.
فأهمية النظر إلى النصف الفارغ فى الكوب تساوى النظر إلى النصف المملوء، بل تفوقه.. لأن الحديث عنه يجعلنا لا ننسى أنه فارغ فى خضم الأحداث التى تتوالى.. بل النظر إليه يعطينا دفعة للبحث عن طرق ووسائل لإكمال الكوب.
فمن أراد أن يستمر فى تحقيق الإنجازات وألا يتوقف عن العمل عليه أن يجد من ينبه دائماً إلى أوجه النقص والقصور.. وأن يشير عليه دائماً بالعراقيل التى تواجه عمله.. ويحذره من أطراف تحاول عرقلته.. لأن من يعمل يكون تركيزه فى العمل، ولا ينظر إلى أبعد من عمله، فهو يريد أن يحقق أهدافاً وضعها لنفسه ولا يريد إلا الإنجاز لأن فرحته كبيرة.. فى حين قد تقع فى أثناء العمل أخطاء أو ممارسات تثير مشاكل كبرى تعرقل العمل، وهنا يأتى دور من يتحدث ويراقب النصف الفارغ لينبه إلى أن الكوب ما زال نصفه فارغاً.
فكل من ينظرون إلى نصفى الكوب هدفهم واحد، وهو الوصول إلى مرحلة تقترب من إتمام ملء الكوب ووجود الطرف الناظر إلى النصف الفارغ مهم جداً للذى يرى نصف الكوب المملوء، والاثنان مهمان للذى يعمل على ملئه.
فلكل مجتمع مهما كبر أو صغر أشخاص يقومون بدور الضمير، ينبهون إلى أى أخطاء تقع أو يمكن أن تقع وهؤلاء هم من يطلقون عليهم الناظرون إلى النصف الفارغ.. وضمير المجتمع دائماً يدافع عنه وعن قيمه وعن مبادئه وأهدافه وسيادته..
وعندما أطلق على حزب الوفد أنه ضمير الأمة لأنه كان يقود القوى الوطنيه ضد الاحتلال وضد كل من يتواطأ مع الإنجليز، وكان هدفه الاستقلال، وكان يضع مصلحة الدولة العليا فوق مصالحه كحزب سياسى.. وما زالت أهم القوانين التى تنظم الحياة فى مصر شرعها حزب الوفد أثناء فترة حكمه، وما زال الناس يتذكرون زعماءه وإنجازاتهم على مدار 100 عام من قيامه.
فكل مجتمع يريد التقدم عليه أن يحترم ما يعلنه أو يقوله من يمثلون ضمير الأمة، ويحترمون الرأى الآخر الذى ينظر إلى نصف الكوب الفارغ، ويلفت النظر إلى أوجه القصور وسبل علاجه.
فالدول تحتاج إلى هؤلاء أكثر من المؤيدين.. وتحتاج إلى الرأى الآخر حتى يعلم كل مسئول أنه لا يعمل فى دون رقيب.. فالمعارضة الوطنية مهمة لكل دولة تريد أن تحقق قفزات تنموية كبيرة، فهى الحارس الأمين للإنجازات، وهى جرس الإنذار المبكر لأى مخاطر قد تحدق بالمجتمع.
يجب أن نعيد الاعتبار إلى الناظرين إلى النصف الفارغ من الكوب، وأن نجلعهم يحذروننا من أى شىء غائب عنا بسبب انهماكنا فى العمل والسرعة المطلوبة لتحقيق الإنجاز حتى يأتى اليوم الذى يكون فيه الكوب مملوء إلى آخره وهو الهدف الأسمى لنا جميعاً.