المصرى اليوم
ياسر عبد العزيز
قبل المصالحة
مثل فريق كرة قدم يعرف أن المباراة التى يخوضها باتت على وشك الانتهاء ويريد أن يسجل هدفًا فى الدقائق القليلة المتبقية قبل انطلاق صافرة النهاية، تبدو إدارة ترامب فى سعيها المحموم لإنجاز مصالحة بين قطر وغرمائها فى الإقليم.
إذا نجح ترامب فى إنجاز مصالحة قطرية مع دول المقاطعة العربية الداعية لمكافحة الإرهاب (السعودية، والإمارات، والبحرين، ومصر)، فإنه سيكون قد حقق إنجازًا دبلوماسيًا يمكن من خلاله أن يتحدث عن اختراقات عدة حققتها إدارته فى ملفات السياسة الخارجية قبل مغادرة المسرح السياسى، خصوصًا إذا أضفنا إلى قائمة «إنجازاته» التغير الدراماتيكى الذى حدث فى طبيعة العلاقات التى تربط كلًا من الإمارات والبحرين والسودان من جانب وإسرائيل من جانب آخر.

وبتحقيق ترامب ذلك الإنجاز، الذى يمكن احتسابه بوصفه انتصارًا دبلوماسيًا للولايات المتحدة بصرف النظر عن الإدارة التى تحكمها، سيكون قد عزز الجاهزية الأمريكية فى مواجهة إيران، عبر تقوية المناوأة الخليجية واتساقها فى مواجهة أطماع الجمهورية الإسلامية وسلوكها المقلق والحاد، وهو أمر ستعتبره إدارة بايدن مكسبًا، ويمكن أن تستفيد منه وأن تبنى عليه.

يعد ذلك مكسبًا خالصًا ذا طبيعة تكتيكية بالنسبة للولايات المتحدة، كما يعد انتصارًا كبيرًا واختراقًا بالنسبة لقطر، التى بدا أن المقاطعة أرهقتها وقلمت أظافرها الخشنة والحادة فى الإقليم، ووضعتها فى صورة المتهم وألزمتها وضعية الدفاع، بعدما كانت قادرة على امتلاك زمام المبادرة وفرض إيقاع اللعب على خصومها ومنافسيها.

ستكون الكويت رابحة أيضًا إذا ما تحققت تلك المصالحة، وسواء شملت تلك المصالحة الدول الأربع المنتظمة فى سياسة المقاطعة أو اقتصرت على السعودية ومعها دولة أو اثنتان، فستظهر الكويت فى صورة الدولة المخلصة لمبادئ التضامن العربى، والمتفانية فى الدفاع عن وحدة مجلس التعاون لدول الخليج العربية.

.. والقادرة على لعب أدوار دبلوماسية مؤثرة عبر ممارسة «الحياد الإيجابى»، والواقفة على مسافة قريبة واحدة من شقيقاتها الخليجيات.

فى الأسبوع الماضى، جرت الأحداث بسرعة وإلحاح، كما يحدث تمامًا قبل أن تنطلق صافرة نهاية المباراة فيما النتيجة معلقة، فتتدافع جهود اللاعبين المتبارين لتغيير النتيجة. لقد زار كوشنر الدوحة، وأعلنت قطر غداة الزيارة أن هناك تحركًا لتسوية النزاع المرير مع «جاراتها الخليجيات الثلاث»، وبدورها أكدت الحكومة الكويتية أن هناك محادثات «مثمرة» لتسوية الخلاف، كما أشارت السعودية إلى أن طى النزاع «قد يحدث قريباً»، قبل أن يصدر بيان عن مجلس التعاون الخليجى يثنى فيه بدوره على جهود الخارجية الكويتية بشأن «تعزيز التضامن والاستقرار الخليجى والعربى وصولاً إلى اتفاق نهائى يحقق ما تصبو إليه الدول من تضامن دائم وتحقيق ما فيه من خير لشعوبها».

لدينا ثلاثة أطراف ستربح بكل تأكيد إذا ما تم تسجيل هذا الهدف وتحققت المصالحة كليًا أو جزئيًا، فماذا عن الطرف الرابع، أى الدول الأربع الداعية لمكافحة الإرهاب؟

يمكن أن نبدأ تقييم موقف دول الرباعى العربى بمحاولة تعريف النصر فى معركتها مع قطر، لنرى لاحقًا ما إذا كانت ستحقق مكسبًا إذا ما استجابت لتلك المساعى وأعلنت تسوية النزاع أم أنها ستكون فى وضع خسارة أو تعادل.

ستكون دول الرباعى منتصرة فى أزمتها مع قطر إذا ما تمت تسوية تلك الأزمة على أسس توقف الدوحة عن دعم الإرهاب، وتسخير «الإخوان»، وفتح المجال للتدخل التركى فى المنطقة، وتعزيز مصالح إيران، واستخدام آلتها الإعلامية النافذة للإضرار بمصالح دول الرباعى وتقويض الاستقرار فى الإقليم.

ولن يكون انتصار دول الرباعى واضحًا وكاملًا من دون أن تحافظ على أواصر تحالفها، وتتفادى اختراقه أو تفتيته، أو اللعب على بعض التناقضات الثانوية بين بلدانه، بما يسمح لقطر بأن تصالح بعضها وتبقى على عدائها للبعض الآخر.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف