محمود غلاب
حكاية وطن .. ثلاجة حفظ القوانين!!
جاءت الفرصة مرتين لمجلس الشورى لإضافة سلطة محاكمة الوزراء إلى اختصاصاته، الفرصة الأولى كانت من اقتراح لجنة تعديل دستور السادات فى عام 79، حيث جاء فى تقرير أسباب إنشاء مجلس الشورى أن النظام السياسى يقتضى إنشاء مجلس ثانٍ يكون بمثابة مجلس العائلة المصرية كلها على اختلاف انتماءاتها الحزبية والسياسية ويكون جامعًا للكفاءات والخبرات التى تحتاج البلاد إلى مشاركتها فى الحياة الحزبية والقواعد العامة للمجتمع وحماية مصلحته العليا. وورد من بين اختصاصات مجلس الشورى التى جاءت فى التقرير محاكمة الوزراء عما يقع منهم من جرائم أثناء عملهم أو بسببه ثم رؤى حذف هذا الاختصاص أثناء مناقشة التقرير فى مجلس الشعب؛ لأن الشورى ليس مجلسًا رقابيًا على السلطة التنفيذية وتم الأخذ بالاقتراح الذى رأى إبعاد مجلس الشورى عن المعارك التى تلازم النظم السياسية.
وشهد مجلس الشعب بعد انتخابات «2000» عدة محاولات من النواب لتقديم اقتراحات بقوانين لمحاكمة الوزراء، عن طريق تعديل القانون الذى صدر أيام الوحدة مع سوريا الذى كان يحاكم الوزراء، والذى كان يضم فى تشكيله نواب برلمان ومستشارين بمحكمة النقض وبعض أعضاء محكمة التمييز السورية، فى هذا الوقت كان مجلس الشعب يمتلك ثلاجة كبيرة، هى ليست لحفظ اللحوم والخضار لزوم احتياجات مطعم المجلس فى الدور التاسع الذى يقدم وجبات ساخنة مدعمة للنواب فى وجبة الغداء ولكنها ثلاجة لحفظ ما يقدمه النواب على غير رغبة الحكومة التى كانت تحتفظ بالعصمة فى يدها فى علاقتها بالسلطة التشريعية، كانت اقتراحات النواب حول وجود تعديل قانون محاكمة الوزراء وتفعيله فى مواجهة الكثير من الجرائم التى كانت تقتضى إحالة بعض الوزراء للمحاكمة الجنائية يتم حفظها فى دولاب كبير يشبه الثلاجة يقبع فى لجنة الاقتراحات والشكاوى التى كان دورها بحث توافر أو عدم توافر الدستورية فى اقتراحات النواب.
ولكن المرة الوحيدة التى مر اقتراح من تحت يد لجنة الاقتراحات تقدم به النائب المستقل علاء عبدالمنعم شفاه الله من الوعكة الصحية التى يمر بها والتى حرمته من استكمال دوره فى الفصل التشريعى الحالى وعدم خوضه الانتخابات الجديدة، كان علاء عبدالمنعم قد اقترح فى يونيه عام 2006 محاكمة بطرس غالى وزير المالية بتهمة إخفاء 13 مليار جنيه من حصيلة الخصخصة، وتضامن معه 100 نائب، وطالبوا بتوجيه اتهام جنائى إلى وزير المالية، واصطدم الطلب بقانون محاكمة الوزراء المعطل منذ انتهاء الوحدة بين مصر وسوريا. وتقدم علاء عبدالمنعم باقتراح لمحاكمة الوزراء عن طريق تعديل قانون الوحدة مع سوريا وكثف من ضغوطه على لجنة الاقتراحات، وكما يقولون إذا أردت أن تقتل موضوعًا فأحله إلى لجنة, وكانت اللجنة التى تهرب من خلالها مجلس الشعب، هي إحالة اقتراح عبدالمنعم إلى مجلس الشورى لأخذ رأيه فيه باعتباره من القوانين المكملة للدستور، وهنا جاءت الفرصة الثانية لمجلس الشورى لممارسة اختصاص محاكمة الوزراء، ولكن هذه المرة نسفتها اللجنة التشريعية والدستورية.
هذه اللجنة التى تعتبر أهم لجنة فى المجلسين كان يرأسها فى مجلس الشورى المستشار رجاء العربى، وأحال إليها رئيس مجلس الشورى اقتراحًا بقانون محاكمة الوزراء المحال إليه من رئيس مجلس الشعب، كان مجلس الشعب قد قصد من الإحالة إلقاء الكرة فى ملعب الشورى وباصى رئيس مجلس الشورى الكرة إلى اللجنة التشريعية، وعقد «العربى» اجتماعًا احتشد له أعضاء اللجنة وعدد آخر من أعضاء اللجان الأخرى، وبدأت اللجنة مناقشات جدية ظاهريًا لإنجاز المشروع وإحالة تقرير به إلى الجلسة العامة لمناقشته، وابداء رأيه فيه وإعادته إلى مجلس الشعب لإصداره باعتباره المسئول عن التشريع، مبدئيًا وافقت لجنة الشورى على محاكمة الوزراء من خلال المشروع الجديد، وموضوعيًا أعدت ثلاجة اللجنة على غرار ثلاجة مجلس الشعب وحفظت فيها المشروع، ولأن مجلس الشعب لا يرغب فيه فلم يسأل عنه، ونام المشروع إلى الأبد وحتى اليوم.
ولكن ماذا فعل علاء عبدالمنعم صاحب اقتراح محاكمة الوزراء؟، اكتشف علاء أن الحكومة ومجلس الشعب ومعهما مجلس الشورى اتفقوا على إجهاض مشروعه، فلجأ إلى الحل السياسى وهو تقديم استجواب إلى وزير المالية بالاتهامات الموجهة إليه بإخفاء حصيلة الخصخصة، وفلت «غالى» من سحب الثقة عن طريق مساندة الأغلبية فى الانتقال إلى جدول الأعمال.
أما عن قانون محاكمة الوزراء فتبين أنه سارٍ بعد أن كانت حجة عدم تطبيقه هي إلغاء الوحدة مع سوريا وصعوبة حضور قضاة سوريين إلى محاكمة الوزراء بعد أن تفجرت مفاجأة بأن المحكمة العليا التى تم تغيير اسمها إلى المحكمة الدستورية العليا قضت فى إحدى الدعاوى بأن يحل ثلاثة قضاة مصريين محل القضاة السوريين فى عضوية محاكمة الوزراء الذى صدر عام 1958، ولكنه لم يطبق ولا مرة!!