د. محمد صفي الدين خربوش
نحو تقسيم إدارى جديد لجمهورية مصر العربية (2)
تناول الجزء الأول من هذا المقال المبررات الموضوعية لإعادة النظر فى التقسيم الإدارى القائم فى جمهورية مصر العربية منذ عقد الستينات من القرن الماضى. وسعياً إلى إتاحة الفرصة أمام المسئولين عن تقديم الخدمات للمواطنين فى القرى والمدن والمحافظات لتقديم تلك الخدمات بأفضل طريقة ممكنة، فى ظل التطورات الهائلة فى أعداد السكان والتوسع العمرانى.
ثمة عدة مقترحات لإعادة تقسيم جمهورية مصر العربية.
أولاً: ضم محافظة القاهرة وامتداداتها شرق القاهرة (مثل القاهرة الجديدة ومدينتى والرحاب والشروق وبدر والعاصمة الإدارية)، وجميع الأقسام الحضرية من محافظة الجيزة (مثل الجيزة والدقى والعجوزة) وامتداداتها الغربية (مثل أكتوبر وزايد)، وشبرا الخيمة (من محافظة القليوبية) فى إقليم واحد يسمى إقليم العاصمة. ويُقترح تقسيم هذا الإقليم، الذى يتجاوز عدد سكانه عشرين مليون نسمة، إلى عشر مناطق إدارية يُعتبر كل منها شبه محافظة يرأسه مسئول يحظى بسلطة المحافظ فى منطقته.
ثانياً: تقسيم المحافظات كبيرة المساحة وكثيفة السكان إلى محافظتين، وتُعتبر محافظات الشرقية والدقهلية والبحيرة من أبرز الأمثلة على هذه المحافظات، حيث تجاوز عدد السكان فى محافظة الشرقية سبعة ملايين نسمة واقترب عدد سكان كل من محافظتى الدقهلية والبحيرة من نفس الرقم، مع اتساع مساحة المحافظات الثلاث.
ثالثاً: إعادة النظر فى تقسيم محافظات الصعيد إلى محافظات تمتد قرابة مائة كيلومتر وتضم مراكز تقع فى كل من شرق وغرب النيل.
وتُعتبر محافظات المنيا وأسيوط وسوهاج أوضح الأمثلة على ذلك، ويتجاوز عدد سكان كل منها خمسة ملايين نسمة أو أقل قليلاً، ويُقترح تقسيم تلك المحافظات إلى محافظات تضم المراكز الإدارية الواقعة شرق النيل وأخرى تشمل مراكز غرب النيل.
رابعاً: ضم المدن الجديدة إلى المحافظات التى تقع فى نطاقها الجغرافى، رغبة فى إنهاء الازدواجية بين التبعية للمحافظات والتبعية لهيئة المجتمعات العمرانية الجديدة.
خامساً: تقسيم المراكز الإدارية التى يزيد عدد سكانها على ربع مليون نسمة إلى أكثر من مركز إدارى، بحيث لا يتجاوز عدد سكان كل مركز إدارى مائة وخمسين ألف نسمة.
سادساً: تطبيق نفس القاعدة على المدن الحضرية، بحيث يتم تقسيم المدينة إلى عدد من الأقسام الإدارية، والتى تماثل المراكز الإدارية، وإلغاء مسمى الحى، ومراعاة ألا يزيد عدد سكان القسم الواحد على مائة وخمسين ألف نسمة.
سابعاً: تحويل القرى الكبرى، التى يزيد عدد سكانها على ثلاثين ألف نسمة، إلى مدن تصبح قاعدة للمراكز الإدارية الجديدة التى يتم استحداثها.
قد تبدو هذه المقترحات بالنسبة للبعض خارجة عن المألوف وغير معتادة، بسبب استمرار التقسيم الإدارى الحالى لفترة طويلة نسبياً.
وقد لا يعلم كثير من المصريين أن محافظة القاهرة كان اسمها محافظة مصر حتى مطلع الخمسينات، وأن المحافظات كانت تطلق فقط على كل من مصر (القاهرة) والإسكندرية والقنال (وكانت تضم كلاً من بورسعيد والإسماعيلية معاً) والسويس ودمياط.
وظل مسمى المديريات يطلق على باقى المحافظات الحالية فى الدلتا وهى القليوبية والشرقية والدقهلية والغربية والفؤادية (كفر الشيخ حالياً)، وفى الصعيد الجيزة والفيوم وبنى سويف والمنيا وأسيوط وجرجا (سوهاج حاليا) وقنا وأسوان.
وقد استمر التمييز السابق بين المحافظات والمديريات قائماً لفترة بعد ثورة يوليو 1952، مع تغيير اسم محافظة مصر إلى محافظة القاهرة، وإضافة محافظات الحدود وهى سيناء ومحافظة الصحراء الغربية (مطروح حالياً) والصحراء الجنوبية (الوادى الجديد حالياً) ومحافظة البحر الأحمر، واستمرت جميع المديريات بمسمياتها السابقة باستثناء تغيير مسمى مديرية الفؤادية إلى مديرية كفر الشيخ ومديرية جرجا إلى مديرية سوهاج.
وبدءاً من الستينات، اختفى مسمى المديريات، وأصبح مسمى المحافظات يطلق على جميع المديريات السابقة فى الدلتا وفى الصعيد. وتم أيضاً فصل محافظة القناة إلى محافظتين هما بورسعيد والإسماعيلية، وتغيير مسمى محافظة الصحراء الغربية إلى مطروح ومحافظة الصحراء الجنوبية إلى محافظة الوادى الجديد.
من الواضح أن أجدادنا وآباءنا قد أقدموا، منذ مطلع القرن العشرين، على إجراء تغييرات جوهرية استجابة للتطورات، بينما لم تحدث سوى تعديلات طفيفة منذ فترة طويلة من الزمن.
وأعتقد جازماً أن الوقت قد حان لإجراء تغييرات جوهرية تصب بالأساس فى مصلحة المواطنين المصريين، وتيسر سبل تقديم الخدمات لهم، وتسهم فى الإسراع بتحقيق معدلات أعلى فى عملية التنمية المنشودة.