الدستور
ماجد حبته
فرنسا.. وسؤال حقوق الإنسان!
لم يكن الرئيس الفرنسى الحالى، إيمانويل ماكرون، قد وُلد بعد، حين رحل شارل ديجول، سنة ١٩٧٠، لكنه يعرف، قطعًا، أن الرئيس الفرنسى الأسبق والأشهر قال إن «فرنسا أقيمت بضربات السيف»، وإنه كان يرى أن «زهرة الزنبق، التى هى رمز الوحدة الوطنية، ليست سوى صورة رمح بثلاث حراب»، لكن ما نعتقد أنه لم يصل إلى مسامع الرئيس الصغير، هو نصيحة «ديجول» بأن الصمت هو أفضل ما يعزز السلطة: روعة القوى وملجأ الضعيف.
يحاول الرئيس الفرنسى الصغير أن يكون متحدثًا مفوَّهًا، ويبدو أنه يتدرب على ذلك مع معلمته فى البيت. وفاته، وفات معلمته أن اللباقة واللياقة لا يمكن اكتسابهما أو تعلمهما بسهولة. وربما لهذا السبب زعم خلال المؤتمر الصحفى المشترك، الذى انعقد، أمس الإثنين، أنه تحدث بصراحة مع الرئيس عبدالفتاح السيسى حول حقوق الإنسان فى مصر، وأنهما ناقشا بعض الموضوعات المتعلقة بعمل المنظمات الحقوقية ومنظمات المجتمع المدنى وبعض الأسماء. وزاد على ذلك فدعا الحكومة المصرية إلى «انفتاح ديمقراطى، ومجتمع مدنى ديناميكى ونشط»!
بأدبه الشديد، تعامل الرئيس السيسى مع هذا التجاوز، أو تلك الصفاقة، وأوضح أنه اتفق مع نظيره الفرنسى على تحقيق حقوق الإنسان دون تمييز، من خلال ترسيخ وتحقيق حكم القانون على الجميع. وسأل الرئيس الصغير والموجودين فى القاعة: «هل تعلمون أن لدينا أكثر من ٥٥ ألف منظمة مجتمع مدنى تعمل فى مصر، وهى جزء مهم وأصيل جدًا فى العمل الأهلى؟»، ثم شدَّد على أنه «لا يليق أن تقدموا الدولة المصرية بكل ما تفعله من أجل شعبها ومن أجل استقرار المنطقة على أنها نظام مستبد»، موضحًا أن عصر الاستبداد ولّى منذ سنوات طويلة، وأن الشعب المصرى به ٦٥ مليون شاب، لا يستطيع أحد أن يقمعهم أو يفرض عليهم نظامًا لا يقبلونه.

جانب آخر من الصورة أوضحه الرئيس السيسى بقوله: «أنا مطالب بحماية دولة من تنظيم متطرف بقاله أكثر من ٩٠ سنة موجود فى مصر واستطاع خلال هذه المدة أن يعمل قواعد فى العالم كله، وإذا كنتوا بتتكلموا عن معاناتكم أحيانًا من التطرف فدا جزء من الأفكار اللى تم نقلها للتابعين لهم فى فرنسا». وبعد أن أشار إلى ما تشهده ليبيا، العراق، سوريا، اليمن، لبنان، أفغانستان، باكستان، قال الرئيس: «ماعندناش حاجة نخاف منها أو نُحرج منها، نحن أمة تجاهد من أجل بناء مستقبل شعبها فى ظروف فى منتهى القسوة وفى منطقة شديدة الاضطراب».
الواقع يقول إن فرنسا شهدت عشرات العمليات الإرهابية، منذ سنة ٢٠١٥، ولا نعتقد أننا تجاوزنا حين قلنا، فى مقال سابق، إن ضحاياها دفعوا ثمن تراخى السلطات الفرنسية فى مواجهة الإرهاب، وتسامحها، ولن نقول تواطؤها، مع التنظيمات، الإرهابية، وسماحها بدخول المال التركى والقطرى، استثمارًا وتخريبًا. وهناك دعاوى قضائية عديدة اتهمت الحكومة الفرنسية بالتقصير، بعد حادث الدهس الذى شهدته مدينة نيس، سنة ٢٠١٦، وتكرر الاتهام نفسه، بعد العمليات الإرهابية الثلاث التى ضربت فرنسا، فى أكتوبر الماضى. وما زال الفرنسيون يدفعون الثمن، وما زالت حكومتهم تبحث عن الطريقة الأنسب للتعامل مع الإرهاب، ومع مواطنيها الذين ذهبوا إلى البؤر المتوترة فى المنطقة العربية وانضموا إلى تنظيمات إرهابية.
شواهد كثيرة تؤكد أن فرنسا تساهلت مع التنظيمات الإرهابية، ورعتها ودعمتها واستخدمتها فى تحقيق أهداف سياسية، اقتصادية، وأمنية. والأربعاء الماضى، رحل رئيسها الأسبق فاليرى جيسكار ديستان، الذى احتضن «روح الله الموسوى الخمينى» ووضع طائرة تحت تصرفه، ليعود بها إلى طهران، سنة ١٩٧٩، ويسرق ثورة الإيرانيين. والطريف أن «ديستان»، حين زار القاهرة فى ١٦ ديسمبر ١٩٧٦، كتب أحمد فؤاد نجم قصيدته الشهيرة، التى غنًاها الشيخ إمام: «فاليرى جيسكار ديستان، والست بتاعته كمان.. حايجيب الديب من ديله، ويشبّع كل جعان»!
غالبًا، سمع بعض الفرنسيين الحمقى، أو الأغبياء، هذه الأغنية وعجزوا عن فهمها، أو غاب عنهم أنها كانت تسخر ممن توهموا أن فرنسا قادرة على حل كل مشكلات مصر، خاصة الأزمة الاقتصادية، التى كنا نعانى منها فى ذلك الوقت. وعليه، انتقد هؤلاء الأغبياء، مد «البساط الأحمر» أمام الرئيس السيسى. وطالبوا بوضع شرط الإفراج عمَّن وصفوهم بـ«المعتقلين السياسيين» مقابل تقديم ما زعموًا أنه «دعم عسكرى لمصر»، وأعلنوا عن اعتزامهم التظاهر، مساء اليوم، الثلاثاء، للتنديد بـ«الشراكة الاستراتيجية» بين مصر وفرنسا!
.. وتبقى الإشارة إلى أن جاك شيراك، أكثر الرؤساء الفرنسيين احترامًا، عانى أواخر فترة حكمه، من مشكلة فى السمع، ومع أن ستة ملايين فرنسى يعانون أمراضًا سمعية ويمارسون أعمالهم بشكل طبيعى، إلا أن بعض خصوم شيراك استغلوا مرضه للتشهير به، فكان أن رد عليهم، ساخرًا، بأن الطرش يجنّبه الاستماع إلى الحمقى والأغبياء!
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف