وائل لطفى
مصطفى حسنى والغزالى.. كلاكيت تانى مرة
من موقع المراقب البعيد أستطيع أن أفهم سر حرص الدولة على وجود جرعة دينية واضحة فى أنشطة مختلفة، منها مثلاً تلك المحاضرات التى يلقيها الداعية مصطفى حسنى فى أكاديمية الشرطة، ليثبت الروح المعنوية لضباط المستقبل، ويقول لهم إن الإرهابيين على باطل، وإنهم لا يحتكرون صحيح الإسلام، وإن شهداء الشرطة فى الجنة وقتلى الإرهاب فى النار.. إلى آخر ما يمكن تخيّله (مصيبة لو أنه لا يقول هذا الكلام ويقول كلاماً آخر!).. فى هذا الإطار يمكن أيضاً فهم لجوء المجلس القومى للمرأة إلى الداعية نفسه، ليسجل مجموعة فيديوهات تقول إن الإسلام يحرّم العنف ضد المرأة وينهى عنه.
لقد أثار هذا اللجوء ثائرة عدد من المستنيرين، وتراجعت رئيسة المجلس القومى للمرأة شفهياً عن الاختيار، وقالت للزميلة سحر الجعارة إن لجنة الشباب فى المجلس هى التى اختارت الداعية، وإنهم شباب حديثو السن قليلو الخبرة.. إلخ.. ولكن الحقيقة أن مصطفى حسنى (الإخوانى السابق) هو اختيار جمال عبدالناصر!! وليس لجنة الشباب حديثى السن قليلى الخبرة.. نعم جمال عبدالناصر بعقله وزعامته وذكائه، ومن ورائه دولة يوليو كلها اختارت هذا الاختيار منذ ١٩٥٤، وكلنا نعرف ماذا كانت النتيجة؟
اصطدم جمال عبدالناصر بالإخوان وأراد أن يقول للناس إن الدولة ليست ضد الدين وليست ضد الإسلام، ولم يجد سوى أن يستعين باثنين من الإخوان السابقين الذين تركوا الجماعة (ولكنهم لم يتركوا أفكارها)، أتى جمال عبدالناصر بمحمد الغزالى (كان وكيل الجماعة) والسيد سابق (اتّهم بأنه صاحب فتوى قتل «النقراشى») وسلمهما وزارة الأوقاف المصرية، حيث كان الغزالى مدير إدارة الدعوة، والسيد سابق مدير إدارة الثقافة بالوزارة.. أدان الاثنان الإخوان وقالا فيهم ما قاله مالك فى الخمر.. وصارت علاقتهما بثورة يوليو ورجالها علاقة الزيت بالدقيق وعلاقة الصديق بالصديق.. ولكن ماذا حدث عندما مات جمال عبدالناصر؟ احتضن «الغزالى وسابق» براعم الإخوان فى الجماعة الإسلامية بجامعة القاهرة، حين كان القادة فى السجون.. علموهم وثقفوهم وجنّدوهم لفكر الإخوان ليخرج القادة، ليجدوا كل شىء جاهزاً وتبدأ رحلة مصر إلى ما وصلت إليه (اقرأ شهادة عبدالمنعم أبوالفتوح).. وهكذا ستجد أن التاريخ يعيد نفسه، والدولة المصرية التى هى امتداد لدولة يوليو ووريثة لشرعيتها تفعل نفس ما فعلته دولة يوليو.. تأتى بإخوانى سابق أو يقول إنه إخوانى سابق لتطلقه فى أجهزتها المختلفة وبين كوادرها المهمة، وهى تظن أنها تمسكه وتراقبه وتسيطر عليه، وأنها تستخدمه فى نزع الشرعية الدينية عن الإخوان، وتبطل به مزاعمهم حول أن الدولة تحارب الدين.. لكن الحقيقة أنه هو الذى يستخدمها وينشر أفكار الإخوان.. وأفكار الإخوان غير تنظيم الإخوان وغير الحديث فى السياسة أساساً.. إنها ثقافة تقود صاحبها فى ما بعد إلى مخاصمة المجتمع، والحلم بدولة دينية.
مَن الذى يقيم الدولة الدينية غير الإخوان؟.. فعلها «الغزالى» من قبل وسيفعلها «الغزالى» من بعد.. وبعد سنوات من الدراسة لدعاة السبعينات أقول لك إن كل الدعاة الذين باعوا للمصريين وهم الصحوة الإسلامية كانوا خريجى جماعة الإخوان، وإنهم جميعاً بلا استثناء استغلوا المنابر التى منحتها الدولة لهم فى نشر أفكار الإخوان.. وكانت النتيجة ما وصلنا إليه.. كانت الدولة تظن أنها تغلب بهم الإخوان، فاتضح أنهم هم أنفسهم الإخوان! فعلها «الغزالى» من قبل.. وسيفعلها مصطفى حسنى من بعد.. ولله الأمر من قبل ومن بعد.