الانتخابات الأمريكية وضعت أمام العالم كله قضية نجوم المجتمع العظام، فى كل نظام هم أساس نجاحه وأركان ثباته ونجاة من عثراته، مقابل أقزام النظام، هم السوس الذى ينخر فيه حتى يقوِّضه، ولولا أركان النظام فى تماسكهم وتعاضدهم لما استطاعت دولة أن تستمر.
وعبر التاريخ كله حينما تتآكل طبقة النجوم السياسية والفكرية والإدارية يقع النظام صريعاً، فنجوم الاشتراكية -وإن كانت ديكتاتورية- صنعوا النظام الاشتراكى فى نصف الكرة الأرضية عبر خمسين عاماً من القرن العشرين، ونجوم وأركان الرأسمالية حافظوا على النظام الغربى عبر مائة عام منذ الإمبراطورية البريطانية التى لا تغيب عنها الشمس وامتدادها الأنجلوساكسونى فى أمريكا حتى الآن. وإذا أردت أن تعرف كم سيبقى أى نظام، فانظر إلى قادته وأركانه ونجومه تعرف كم سيبقى، إن قلَّ عددهم قلَّ عمره، وإن زاد عددهم زاد عمره! وإلا فلا تحدثنى عن شكسبير ورفاقه، ولا أينشتاين وعلمائه، ولا حتى أرسطو وسقراط قديماً، ولا القادة العظام من الحكام وقادة المعارك والجيوش، وإلا ما خلدت «العلمين» اسم مونتجمرى وروميل.
ولو نظرنا إلى عالمنا العربى والمصرى لوجدنا ولادة النظام العربى القومى من بطن نظام الخلافة التركية بسواعد نجوم عظام من الشريف حسين، قائد الثورة العربية الكبرى، على الإمبراطورية التركية، والذى جعل أبناءه يقيمون نظم الدول العربية فى السعودية والأردن وفلسطين والعراق وسوريا، ثم أكمل الملك عبدالعزيز السعودى والملك فؤاد المصرى والسنوسى الليبى والحسن المغربى بناء النظام العربى، وأقيمت الجامعة العربية تجسيداً لهذا النظام العربى.
ولولا أدباء عاشقون ومتفوقون ما كان الأدب العربى من طه حسين وشوقى وحافظ والعقاد إلى نجيب محفوظ.. ما كانت نوبل عربية، ولولا علماء عظام مثل مشرفة وزويل ما جاءت نوبل العلمية.
ولولا السياسيون العظماء من أحمد عرابى وسعد زغلول ورفاقه وسراج الدين وجيله والسادات والشافعى وناصر وخالد محيى الدين كسياسيين وعسكريين ما كانت الحقبة الناصرية.
ولولا طبقة السياسيين الكبار فى مصر ما كانت مصر سبقت دولاً أوروبية فى أركانها الذين كانوا يصطافون سنوياً باشاوات فى الدول الأوروبية شأنهم شأن عظماء أوروبا وأثريائها وصنعوا لنا شواطئ الإسكندرية من جليم للشاطبى ومن قصر المنتزه إلى قصر رأس التين.
ولولا الفنانون المبهرون من شارلى شابلن إلى حسين صدقى إلى عبدالمطلب وإلى زكى طليمات إلى فريد شوقى وشكرى سرحان إلى أم كلثوم وعبدالوهاب وفريد وحليم ما كان الفن المصرى رائد الفن العربى.
ولولا مهندسو العمارة العالمية من قصور إنجلترا إلى باريس إلى روما إلى قصر محمد على بالقلعة ثم قصر عابدين ثم قصر القبة ثم قصر البارون ثم مصر الجديدة ثم المدن الجديدة ما كانت مصر شخصية معمارية متميزة ببرج الجزيرة إلى أبراج العلمين وبرجى زايد والعاصمة الإدارية.
ولولا الأميرة فاطمة التى تبرعت بأرض وبناء جامعة القاهرة ما كانت جامعات مصر العظيمة من القاهرة إلى عين شمس إلى الإسكندرية وأسيوط والمنصورة وطنطا والزقازيق، ثم سلسلة الجامعات الجديدة فى عهد السيسى الذى صرح بأنه سيبنى جامعة لكل مليون مواطن وبدأ فى العلمين وانتقل إلى الجلالة فى البحر الأحمر ثم جامعة الملك سلمان فى رأس سدر وشرم الشيخ.
فماذا عن نجوم أمريكا السياسيين العظام من عهد أيزنهاور إلى عهد كلينتون؟ لأن أمريكا منذ أوباما أصبح رؤساؤها نصف قادة ونصف رؤساء، بل قُل لقد بدأ عهد انهيار الدولة الأمريكية بالفعل، لأن النجوم اختفوا والعظماء قلَّ عددهم، والكبار أصبحوا صغاراً، حينما ترى رئيس أمريكا يرمى ملف خطاب الرئيس فى وجه بيلوسى، رئيسة الكونجرس، فتمزق هى خطاب رئيس الجمهورية، إنه مشهد يستحق أن يكون فى حضانة بين أطفال روضة الأطفال، أما أن يكون هذا من أكبر قائدين فى أمريكا، فاعلم أنها أصبحت بلد الأقزام، وإن طالت أجسادهم فقد تقزمت مكانتهم.
وهكذا كانت انتخابات بايدن وترامب انتخابات اتحاد طلبة فى مدرسة المشاغبين لعادل إمام وسعيد صالح على طريقة «ابنك انت يضحك عليّا أنا ويبيع لى الكرسى ده ويقول لى كرسى رئيس أمريكا».