محمود غلاب
حكاية وطن .. نوة صدومة وآية
إذا كانت الإسكندرية موعودة بنوة المكنسة ونوة القاسم التى تكنس العقارات والبشر فى سكتها وتقصم ظهور عمال النظافة الغلابة الذين يقيمون الليل فى تصريف المياه، فإن الجيزة شهدت نوتين جديدتين هما نوة «صدومة» فى أوسيم ونوة «آية» فى الطوابق.
أهالى الجيزة والمقيمون خارجها شاهدوا الفلوس تنزل مدراراً من شقة المهندس صبرى صدومة، وتجمع المارة لالتقاطها، وصدومة مبسوط ويقول أنا مرتاح كده.. أنا مبسوط كده، وليتنافس المتنافسون، وهو يرى ذلك عمل خير!
ومن نفس محافظة الجيزة أيضاً وتحديداً فى منطقة الطوابق التابعة لحى فيصل شهد أهل الحى الدماء تتدفق بحوراً من شقة آية، واكتمل المشهد الحزين بإلقاء آية بنفسها من شرفة الطابق الرابع، المشهدان متناقضان، فى أوسيم الناس فرحانة ومستغربة ما يحدث، وفى الطوابق الناس غضبانة، ومش مصدقة ما يحدث.
صدومة حر فى فلوسه، اللى معاه قرش محيره، يخرج فى البلكونة ويطيره، لكن «صدومة» صدمنا جميعًا فقد كان من الأفضل أن يتحدث بنعمة الله عليه، فيتصدق بها للفقراء بأسلوب متحضر أكثر مما حدث، هل يعلم صدومة من هم الذين استفادوا بأمواله التى القاها إليهم من البلكونة؟ هل هم الصيع من الشمامين، والخارجين على القانون، أنا متأكد أن الفقراء والمساكين وأهل السبيل والغلابة يتعففون من التقاط أموال «صدومة» بهذا الأسلوب المهين الذى يتنافى مع ما أمرنا به الإسلام، عندما جعل فى أموال القادرين حقاً معلوماً للسائل والمحروم وطالبنا بأن نقدمه لهم فى صورة زكاة أو تبرعات أو هدايا أو مساعدات بطريقة محترمة لا تجرح كرامتهم.. ها ها ها.. صدومة إديله من البلكونة.. السماء بتمطر فلوس ناقص يطلب الكرباج ويطرقع به فى سور البلكونة وهو يبرم شاربه فشر ولا حسن كامى فى أحد أفلامه.
من «صدومة» إلى «آية» يا قلبى احزن على الطفولة التى يتم تبديدها فى حوارى الجهل والتخلف بعد لى ذراع القانون وتحت بصره.
آية «15 سنة» تزوجت عرفياً من «بلونة» «15 سنة» وهى الزيجة الثالثة لها ومش عارفة تقضى شهر العسل لأن حماتها كبست عليهما وأقامت معهما فى الشقة، وتشاجرت آية مع حماتها عقب مباراة الأهلى وطلائع الجيش يوم السبت الماضى دون أن تبين أن نتيجة المباراة لها علاقة بالأزمة أم لا، وقامت آية بضرب حماتها بالسكين، وعندما اتخضت من منظر الدماء التى تفجرت منها، هرولت إلى البلكونة والقت بنفسها فى الشارع، واتلمت الناس، تحاول لملمت لحمها، بكى «بلونة» بجوار الجثة، وأخذ يردد يا حبيبتى يا آية، وصعد إلى الشقة، وتشاجر مع أمه، وأخذ يضربها، ويلومها بأنها السبب فى انتحار حبيبته، ثم ألقى بنفسه وراءها من البلكونة مؤكداً أنه لا يستطيع أن يعيش بدونها. أم «آية» حضرت المشهد الأخير، وقالت بنتى قالت لى منذ فترة إنها مش عارفة تقضى شهر العسل مع بلونة بسبب حماتها لأن الشقة ضيقة وقالت لى إنها هتخلى أيامها سودة.
فعلا الواقع أصبح بلون السواد فى منزل آية وبلونة ومحدش فاهم حاجة، ونعود لنردد ما كنا نردده فى كل مرة حول زواج القاصرات، أن هذا الزواج انتهاك للمرأة المصرية وعائق أمام تعليم الفتاة وانخراطها فى العمل، كما أن هذا الزواج وراء زيادة أعداد المواليد، وزيادة نسب الطلاق وزيادة معدلات أطفال الشوارع وزيادة عدد السكان بشكل عام دون وعى من الأسر المصرية إلى خطورة الزيادة السكانية على الأجيال القادمة، وتحقيق الاستفادة المثلى من معدلات النمو.
وفى كل مرة نطالب بقوانين رادعة لزواج القاصرات وتفعيل القوانين الحالية لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من الشباب والفتيات بعد أن وصلت حالات الطلاق فى مصر إلى 28 حالة فى الساعة و2.11 حالة طلاق كل دقيقة!!
«صدومة» و«آية» و«بلونة» نماذج للا وعى لأنه كما أن هناك طرقًا مشروعة لإنقاق الأموال فى الأعمال الخيرية ومساعدة البسطاء، فإن هناك قوانين تنظم الزواج، حيث لا تقل السن عن 18 عاماً حتى يكون الشاب والشابة فى ظروف مهيأة لإنشاء أسرة قوامها الترابط وتحمل المسئولية.
تقرير مهم للجهاز المركزى للإحصاء كشف عن ارتفاع نسبة زواج القاصرات عام 2017 إلى نحو 40٪ من إجمال حالات الزواج فى مصر من بينهم 1200 مطلقة، وأكثر من ألف فتاة أرملة فكيف يكون الحال حالياً ومستقبلاً إذا لم يتم التحرك فوراً لاتخاذ إجراء فى حالة آية وبلونة لوقف ظاهرة الزواج العرفى التى انتشرت فى المدارس والجامعات وأصبح يتساوى فيها الفقراء والأغنياء والمثقفون والجهلاء.
أخشى ما أخشاه أن نجد أغنياء آخرين يتصرفون مثل صدومة، مطلوب التصدى لهذه التصرفات الغريبة التى أرى أنها تخل بالأمن القومى، كما أطالب بالتصدى لحالات تزايد الزواج العرفى، نريد ألا نرى دماء جديدة فى الشارع من وراء القاصرات أو أموال توزع هكذا يلتقتها السيّارة المدمنون.