جريدة روزاليوسف
ناهد إمام
النحت فى الصخر!
من يبحث عن اللقمة الحلال والتمسك بالدين والقيم.. هيدور على عمل شريف.. أيا كان! وزي ما بيقولوا؛ حتى لو كان النحت في الصخر! وفعلا قامت وهي في ريعان شبابها بعمل صعب وشاق على الرجل نفسه؛ فما بالنا لما تكون سيدة.. لتضرب مثل في القدرة على تحمل المسؤولية.. بكل عزة وإيباء.. طبعا الكل هيقول مين دي؟ هي سائقة سيارة نقل ثقيل.. السيدة "فريال".
والحقيقة ما شدني إلى السيدة فريال؛ ليس كفاحها وتحملها المسؤولية حيث تزوجت مبكرا عندما كان عمرها 12 عاما، وانفصلت عن زوجها بعد 4 سنوات زواجًا، أسفرت تلك "الزيجة" عن طفل يحتاج إلى رعاية ومصاريف، كما تحتاج هي أيضا مصاريف؛ تغنيها عن السؤال، فقررت الانتصار على كافة التحديات، وتعلمت قيادة السيارات واستخرجت رخصة نقل ثقيل وعلى مدار 45 عامًا وهي تواصل الكفاح والعمل اليومي وتعمل على سيارة نقل ثقيل، تنقل عن طريقها البضائع من الموانئ إلى مناطق متفرقة داخل مصر وخارجها.. ورغم أهمية كل ذلك.. لأننا عرفنا المرأة دائما ومنذ العصور القديمة وهي السند ورمانة الميزان لأسرتها بشتى الصور.. ولكن ما شدني هي المهنة الصعبة التي عملت بها وحققت نجاح واستمرارية فيها.. وهي مهنة يعمل بها الرجال لفترة ثم يتركونها نتيجة المجهود الشاق بها.. ليست مهنة سائق عادي.. لكنها سائقة نقل ثقيل!



والأكثر عجبًا؛ وضحه لي "شاهد ذو ثقة"؛ صاحب إحدى شركات النقل البري؛ أطال الله في عمره؛ حيث كشف أن السيدة فريال ليست فقط سائقة سيارة نقل ثقيل وإنما أيضا سيارة نقل قلاب في المحاجر أي بتعمل في الليل فقط لأن ذلك طبيعة العمل والنقل من المحاجر.. وقال لي "لقد سمعت عن تلك السيدة منذ أكثر من 25 عامًا على مدار تشغيل شركتي من سائقي سيارات النقل لديّ؛ وكان الجميع يتنازل لها عن دور التحميل من المحاجر حتى تتحرك سريعًا بالسيارة؛ كما تعرضت بالطبع للكثير من المواقف الصعبة خلال سيرها على طرق النقل المختلفة؛ وكانوا يقدمون لها المساعدة الفورية بالطريق "شهامة الرجل المصري طبعا لا يمكن إنكارها".



في الواقع.. على قدر سعادتي بتلك السيدة، التي تم تكريمها مؤخرا من نقابة النقل البري؛ والمرأة بصورة عامة صاحبة التحفيز على العمل والإبداع وشحذ الهمم والطاقات لدى الرجال أيضا؛ والتي يكرمها دائما رئيسنا عبد الفتاح السيسي؛ إلا أنني أعرب عن أسفي لعدم زرع تلك الروح المثابرة والسعي نحو العمل في نسبة كبيرة من شبابنا.. فكل من يتخرج من إحدى الكليات ويحمل شهادة عليا؛ لا يريد أن يعمل سوى في وظيفة يقعد فيها على مكتب للمنظرة والتفاخر.. بكل أسف؛ يبحثون عن الوجاهة الاجتماعية.. لكن العمل وشق الأنفس سواء في المصانع أو الزراعة.. يُرفض مباشرة.. وأصبح غالبية الشباب لا يعملون سوى سواق تاكسي أو سائق توكتوك!



وده واقع ألمسه أنا شخصيًا من خلال ركوب سيارات الأجرة؛ وأتناقش معهم لدرجة الاحتداد.. وأقول لهم: "عندما الأغلبية يعملون في مهنة السواقة للتاكسي أو أوبر، وكريم؛ فمن بالله عليكم سينتج ويصنع ويزرع؟ هل سنأكل تاكسي وتوكتوك؛ وعندما لا تتوافر احتياجاتنا من إنتاجنا.. ماذا سنفعل؟ بطبيعة الحال سنلجأ إلى الاستيراد بالعملة الصعبة وترتفع أسعار السلع الأساسية التي نقوم باستهلاكها.. وحينئذ نقعد "ونمصمص" في شفاهنا ونقول: "الأسعار مرتفعة علينا" طب بالذمة.. حد سأل نفسه ليه السلعة يرتفع سعرها.. ببساطة شديدة عندما يزيد الطلب عليها مع محدودية توافرها. لا بد السعر يزيد!



لقد آن الأوان أن نسعى جميعا نحو إنتاج احتياجاتنا وعدم الاتكال على الخارج.. "فمن ملك قوته ملك قراره" وأن يقبل شبابنا على العمل في المصانع والاستفادة من خير بلادنا حتى لا تضطر المصانع إما الاستعانة بعمالة خارجية؛ أو تصدير المادة الخام دون أي إضافات عليها وبالتالي تضيع ثرواتنا.. حيث يقوم البلد الذي استوردها بتصنيعها ثم إعادة تصديرها لنا مرة أخرى ولكن بأضعاف أضعاف السعر.



نريد جميعنا أن ننادي ونطلق شعار تغيير الثقافة.. لتحفيز شبابنا على أهمية العمل وقيمته في أي مكان؛ بدلا من البطالة وجني الأمراض من النوم طوال النهار والسهر بالليل على الفيس والتيس وتضييع الوقت وصحة الأبدان!
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف