د. محمد صفي الدين خربوش
نوبل.. وسوتشى وأوباما وأبى أحمد
تُمنح جائزة نوبل للسلام للذين قاموا بأكبر قدر أو أفضل عمل للتآخى بين الأمم ومن أجل الحفاظ على السلام وتعزيزه. واتساقاً مع مبررات منح الجائزة المرموقة، لم يكن مفاجئاً أن تُمنح الجائزة لأفراد اضطلعوا بأدوار متميزة فى الحفاظ على السلام أو إنهاء الحروب سواء أكانت شخصيات سياسية مثل مستشار ألمانيا الاتحادية فيلى برانت والرئيس المصرى أنور السادات والزعيم الجنوب الأفريقى نيلسون مانديلا ورباعى الحوار التونسى، أو غير سياسية مثل الأم تيريزا ومحمد يونس وملالا، أو لهيئات أو منظمات أو برامج مثل المفوضية الدولية لشئون اللاجئين أو الصليب الأحمر أو أطباء بلا حدود أو برنامج الغذاء العالمى. بيد أن منح الجائزة فى عدد من الحالات قد أثار بعض التساؤلات مثل منح الجائزة مناصفة بين الرئيس السادات ورئيس الوزراء الإسرائيلى مناحم بيجين بالرغم من مشاركته فى ارتكاب عدد من المذابح ضد المدنيين، أو منح الجائزة لمعارضين للنظم المعادية للغرب مثل السوفيتى أندريه ساخاروف والبولندى ليخ فاونسا. بيد أن المثير لكمٍّ هائل من الدهشة هو منح الجائزة خلال السنوات الأخيرة لثلاث شخصيات هى زعيمة المعارضة فى ميانمار أون سان سو تشى (1991)، و الرئيس الأمريكى باراك أوباما (2009)، ورئيس الوزراء الإثيوبى أبى أحمد (2019). وجاء فى مبررات منح الجائزة للسيدة سوتشى بسبب «كفاحها اللاعنفى من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان»، وللرئيس أوباما «لجهوده لتعزيز الدبلوماسية الدولية والتعاون بين الشعوب، ولرئيس الوزراء الإثيوبى «لجهوده فى حل النزاع الحدودى مع أريتريا». وقد أقدم كل من هؤلاء الفائزين الثلاثة بجائزة نوبل للسلام على أفعال تتناقض تمام التناقض مع قيم السلام. فلم تقم السيدة سو تشى صاحبة الكفاح اللاعنفى بأى دور بعد أن أصبحت رئيسة لبلادها لإيقاف الإبادة الجماعية والتهجير القسرى الذى عانت منه أقلية الروهينجا فى ميانمار، بل جاءت مواقفها مبررة لتلك الجرائم المروعة. ومن ناحية أخرى، رد الرئيس أوباما، الذى مُنح الجائزة قبل أن يكون له أى دور فى تعزيز السلام، بإعطاء الأوامر بقتل أسامة بن لادن وهو مريض، مع أن الدول الأوروبية لا تتوقف عن مطالبة باقى دول العالم بإلغاء عقوبة الإعدام، ثم شارك حلفاءه الأوروبيين فى حلف شمال الأطلنطى فى جرائم قتل آلاف الليبيين المدنيين، وفى قتل الرئيس الليبى السابق معمر القذافى بعد إلقاء القبض عليه دون المحاكمة العادلة التى يتشدق بها دعاة حقوق الإنسان فى الغرب «المتحضر». أما رئيس وزراء إثيوبيا، فقد كان لافتاً منحه الجائزة منفرداً دون مشاركة رئيس أريتريا، على النقيض مما حدث بالنسبة للرئيس السادات وبيجين، أو عرفات ورابين وبيريز، أو مانديلا ودى كليرك. وقد اتضح حرص أبى أحمد على تعزيز السلام من خلال إصراره على عدم التوصل إلى حل لأزمة سد النهضة يتفق مع قواعد القانون الدولى. ثم جاء الصراع بين الحكومة الإثيوبية المركزية وإقليم التيجراى ليؤكد مرة أخرى استحقاق أبى أحمد لجائزة نوبل للسلام. لقد تم قصف مدن وقرى الإقليم، بما فى ذلك العاصمة، بالأسلحة الثقيلة، وقتل وشرد عشرات الآلاف من المدنيين، ولم نسمع أصواتاً من العالم «المتحضر» عن ذلك الرئيس الذى يقتل شعبه، وهو الاتهام المستخدم منذ عشر سنوات ضد رئيس إحدى الدول العربية، إلا إذا كان شعب التيجراى ليس جزءاً من الشعب الإثيوبى. يجب على المسئولين عن منح جائزة نوبل للسلام مراجعة المعايير التى يتم الاعتماد عليها عند منح الجائزة، والتفكير فى التراجع عن منح الجائزة فى حالة قيام الفائزين بالجائزة بأفعال لا تتناغم مطلقاً مع القيم التى أنشئت الجائزة من أجلها. ونأمل ألا تتكرر فى الأعوام المقبلة منح الجائزة لمن يعمل ضد قيم السلام.