عباس الطرابيلى
هموم مصرية .. النكتة.. والمقاومة الشعبية
لأن شعب مصر هو أخف الشعوب دمًا.. وكان الشعب يستخدم النكتة فى كل معاركه، خصوصًا إذا كانت الحكومة فاسدة.. ولهذا كان فى مصر - فى العهد الناصرى - جهاز مهمته جمع النكات وتحليلها ودراستها.. وعرضها على الرئيس عبدالناصر.. شخصيًا.. وفى فترة من الفترات انخفض عدد النكت التى كانت يطلقها الشعب.. هنا انزعج الرئيس عبدالناصر.. وطلب من هذا الجهاز دراسة هذه الظاهرة على وجه السرعة.. وقال لهم إن ذلك يعنى أن الشعب غيّر من أسلوب مقاومته.. وتوقف عن إطلاق النكات.. وكان هذا يعنى أن الشعب بدأ يفكر فى أسلوب آخر. لأن الشعب كان يطلق النكات ليعبر عما يعاني منه، أى أن الشعب بدأ يفكر.. وهذا يعنى أن فى ذلك خطورة على النظام. وأنه من الخطر أن يستمر تفكير الشعب.. ويواصل عدم إطلاق أى نكتة جديدة.
هنا لجأ هذا الجهاز إلى إطلاق رجاله العديد من النكت.. حتى يهدأ الرئيس عبدالناصر. وكان أعضاء هذا الجهاز يدفعون كثيرًا لمن يطلق هذه النكت.. بل بدأ رجال الجهاز أنفسهم فى شراء النكت.. ليطمئن الرئيس عبدالناصر؛ ذلك لأن الحاكم لا يريد من الناس أن يفكروا.. لأن هذا يدفع الناس إلى الحديث عن الحاكم وأساليبه فى الإدارة وهذا لا يريده الحاكم، أى حاكم.. أى من مصلحة الرئيس أن يواصل الشعب اطلاق النكت لا أن يفكر فى السياسة. واستمر جهاز جمع النكت يزاول نشاطه حتى توقف عندما وقعت كارثة الخامس من يونية 1967.
وتحول تفكير الناس إلى السخرية من القيادة العسكرية التى تسببت فى هذه الكارثة.. ولهذا يقول علماء الاجتماع إن الشعب المصرى، استخدم النكتة السياسية للسخرية من النظام الحاكم أيامها.. ولذلك نجد أن علماء الاجتماع لا يهملون حتى أى نكتة.. وإذا كان الرقيب على الصحف كان يملك أيامها منع نشر أى كاريكاتير يسئ إلى النظام.. ولكنه وقف عاجزًا عن الغوص فى نفسيات الناس وإلى ما يطلقون من نكات.
<< وإذا كانت فى بعض نظم الحكم هيئات لدراسة تطور النكتة السياسية.. فإنما كان ذلك من صنع الجهاز الأول الذى كونه عبدالناصر لمعرفة كيف يفكر الشعب.. من خلال النكت التى يطلقها.. أى كلما زاد الضغط النفسى على شعب ما لجأ هذا الشعب إلى إطلاق النكت.. وبالطبع يقول علماء الاجتماع إنه إذا فكر الشعب.. توقف عن النكت وانطلق يبحث عما يقلق الحكام.. أى أن النكت كانت تنفيسًا عن الصدور.