في عشرينات القرن الماضي انتشر مرض الدفتيريا في بلدة نوم بألاسكا الأميركية، وهو مرض تتسبب فيه بكتيريا تضرب الغشاء المخاطي للإنسان والحلق حتى الموت. حدث ما يشبه الجائحة في تلك الأرض البعيدة وكان العلاج آنذاك استعمال أمصال للشفاء قبل اختراع اللقاح.
كان قطع مسافة تتجاوز الألف كيلومتر في الثلوج والعواصف الشتوية بين بلدتي نوم وأنشوراج لإحضار المصل مغامرة نهايتها الموت المحتم، فرسمت خطة لتقسيم المسافات بين فرق مختلفة بين البلدتين، تتولى تلك المهمة وقد أطلق اسم "سباق الرّحمة العظيم" على تلك القافلة التي انضم إليها شجعان المنطقة، مع كلابهم لإنقاذ أهالي نوم.
أحد أولئك الأبطال ليونار سيبارا مع فريق كلابه، لكن ما ميزه عن غيره قصّته الفريدة مع كلبه "طوغو" والتي يقدمها لنا المخرج الأميركي إريكسون في فيلم من إنتاج ديزني، يعطينا درسا في عظمة ما خلق الرحمن، حين تنشأ صداقة لا تفسير لها بين حيوان وصاحبه، وحين يخوض ذلك الحيوان مغامرة خطيرة من أجل إنقاذ الإنسان حتى حين يكون مصابا ومتألما، وحتى حين يخونه الإنسان بطبيعته البشرية الخاذلة، إذ سرا يقرر التخلص منه لكن الكلب يقابل تلك المعاملة بمزيد من الإخلاص.
يقوم بدور ليونار سيبالا الممثل الكبير الإيطالي الأميركي وليام دافو، حيث يبهرنا بأدائه كما في كل مرة، غير مكتف بنقل صورة سيبالا وحده، بل صورة رجال لا رفاق لهم في صحراء شاسعة من الثلوج غير كلابهم، وبدون تلك الكلاب كان بإمكان الوباء أن يفتك بكل الأطفال ويقضي على البلدة كلها.
تنجح ديزني دائما في تقديم حبكات درامية مؤثرة تمنح فيها البطولة للحيوانات، وتجعلنا نرى ما لا يمكن رؤيته في واقعنا المعاش. وهي بتلك الطريقة تقدم قصة نجاح تنغرس في أدمغة الأطفال فتحفزهم ليس فقط على حب الحيوانات والرأفة بها، بل على تعلُّم دروس الإصرار والمثابرة لتحقيق النجاح. فالكلب طوغو الذي كان ضعيفا في صغره، عديم الفائدة، دخل عنوة تدريب مجموعة الكلاب التي تجر الزلاجات، وقد أصبح قائدا بعد اثنتي عشرة سنة. مات طوغو (واسمه الحقيقي بالتو) العام 1933 عن عمر 14 سنة، وبالإمكان رؤية جثته المحنطة في متحف التاريخ الطبيعي في كليفلاند بأوهايو.
وقد ورد في قراءة نقدية للفيلم أن ديزني لا تُقْدِمُ على إنتاج أي قصة إذا ما كانت نهايتها سيئة، لهذا فمن الواضح أن الإنجاز البطولي لطوغو شجّع على وقوف بطل مثل وليام دافو ليؤدي دور صاحبه، ويمنح بعدا أكبر للفيلم تجاوز فكرة أن يكون مخصصا للأطفال والناشئة.
من وجهة نظر درامية كان من الممكن أن يكون الفيلم قاسيا وومملا حتى على المشاهد البالغ، ولكن بناء فكرته على بطولة طوغو جعلته لطيفا ومثيرا، وقد عرّفنا بأكبر سباق للرحمة في العالم.