الوفد
أمينة النقاش
على فكرة ..حتى ولو خاسرة
وصف جديد يضفيه وزير قطاع الأعمال على من يعارضون قرار تصفية شركة الحديد والصلب بأنهم عبدة أصنام، بعد أن وصفهم من يساندون قراره بأنهم عاطفيون سذج، يمجدون سياسات الفقر. هؤلاء عبدة الأصنام والعاطفيون والسذج يعدون بمئات الآلاف من المصريين، فإن عشقوا وتبتلوا فى صفحة ناصعة من صفحات الصناعات المصرية الثقيلة ، التى بنيت بكفاحهم وتضحياتهم ودموعهم ودمائهم، فعذرهم يا سيادة الوزير «أن فى وجههم نظر»!

نعرف كما يعرف وزير قطاع الأعمال، لكنه يتغاضى عن تلك المعرفة، أن المشكلة ليست فى خسائر شركة الحديد والصلب التى بلغت كما يقول خلال العشرين سنة الأخيرة 15.6 مليار جنيه، وليس فى تقادم التكنولوجيا المستخدمة، ولا الاستهلاك الضخم من فحم الكوك فى العملية الانتاجية، وليس فى سوء حالة الأفران، ولا ديون الشركة البالغة أكثر من 9 مليارات جنيه للبنوك والجهات السيادية بل فى النية المبيتة لتصفية قلاع الصناعة الوطنية المملوكة للدولة، التى باتت إدارتها - الدولة - توصف فى أدبيات البيع والتصفية بـ«الفاشلة».

الأدلة على ذلك أكثر من أن تحصى. فلم يكن تولى الدكتور عاطف عبيد مسئولية وزارة قطاع الأعمال والتنمية الادارية وشئون البيئة لمدة ثلاث سنوات بدءا من عام 1993، قبل أن يحل رئيسا للوزراء فيما بعد لمدة خمس سنوات، محض صدفة، فهو مهندس خصخة القطاع العام وبيعه مع الشركات المملوكة للدولة بأبخس الأثمان، فضلا عن تسريحه لمئات الآلاف من العمال بتشريعه لقانون المعاش المبكر، تمهيدا لبيع شركاتهم، بعد اجراءات تعمد تخسيرها.

رصدت تقارير هيئة الرقابة الإدارية والجهاز المركزى للمحاسبات، أن الأعوام الخمسة التى تولى فيها عاطف عبيد منصب رئيس الوزراء التى بدأت فى أكتوبر 1999 وحتى أكتوبر 2004، شهدت انتشارا غير مسبوق فى قضايا الفساد، حيث شهد عام 2003 وحده ضياع 100 مليار جنيه فى قضايا الكسب غير المشروع، وقضايا رشاوى واختلاس مليار جنيه، وقضايا غسيل أموال 5 مليارات جنيه، بينها بطبيعة الحال الفساد العميم فى صفقات بيع شركات قطاع الأعمال والخصخصة، التى كانت تصدر الأوامر العليا بالبدء الفورى فى بيعها!

ومن الأدلة عن النوايا المبيتة للتصفية انه فى عام 2016 تم الفصل بين وزارة الاستثمار ووزارة قطاع الأعمال، وتولى رئاستها خلال فترة وجيزة ثلاثة وزراء بينهم الوزير الحالى هشام توفيق خلفا للوزير خالد بدوى الذى مكث بها خمسة أشهر فقط، وكان أولهم الدكتور أشرف الشرقاوى صاحب الخبرات المتعددة، الذى تعهد حين تولى منصبه بالاهتمام بأصول الدولة وعدم خصخصتها، وإعادة هيكليتها، واستغلال كل الأصول غير المستغلة، لتكون قاطرة للتنمية ونمو المواطن. لا نحتاج إلى جهد كبير لمعرفة تركه لمنصبه الوزارى بعد عام ونصف من توليه، برغم أنه حقق أرباحا لافتة للنظر فى قطاع الأعمال العام!

لم يجب الوزير فى بيانه بالبرلمان عن أسباب التغاضى عن عرض الشركة البريطانية تاتا ستيل فى عام 2014، لإعادة هيكلية شركة الحديد والصلب، لتعمل بكامل طاقتها مقابل 3 مليارات جنيه فقط. السبب معروف ومعلن، وهو أن اللجنة التى تم تشكيلها لبحث العرض البريطانى كان أعضاؤها ممن هم مثل سيادتك، من بين غلاة الذين اشرفوا على خصخصة وبيع شركات القطاع العام، وهو ما وصفته هيئات الدولة الرقابية بالتربح والفساد.

تستحق الرمزية التاريخية والوطنية لشركة عملاقة مثل الحديد والصلب أن توضع فى الاعتبار بدلا من السخرية. فهى الشركة التى ساهمت فى بناء السد العالى وتوفير حديد التسليح والمشاركة فى الخطة الخمسية الأولى فى عهد عبدالناصر، وفى بناء قاعدة الصواريخ فى حرب الاستنزاف، وفى نصر أكتوبر المجيد، فيجب الابقاء عليها كرمز لاستقلال الإرادة الوطنية، حتى لو كانت خاسرة. وحتى نحول أوضاعها من تخسير إلى مكاسب، أضم صوتى لمن يطالبون باكتتاب شعبى لإعادة هيكلتها، ولطلب نواب المعارضة فى البرلمان، بتشكيل لجنة تقصى حقائق، لكشف ما أريد إخفاؤه من تلك الحقائق.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف