الوفد
حمدى رزق
السودان.. أن تأتى متأخراً
«لقد طفح الكيل»، «وبلغ السيل الزبى» حتى «لم يبق فى قوس الصبر منزع»، ثلاثة أقوال درج العرب على التلفّظ بها عند نفاد الصبر أو تفاقم الأمور الى حد لا يمكن السكوت عنه، أو الصبر عليه.

هذا حال السودان الشقيق، العنت الإثيوبى دخل مرحلة أَلَد الخصام، فضلاً عن المفاوضات المتعثرة حول السد الإثيوبى، تفاقمت التحرشات الحدودية واحتلال الأراضى السودانية، السودان يدفع ثمن موقفه الصلب فى مفاوضات السد هناك على الحدود الشرقية.

السودان يدافع عن أرضه، وعن حياة شعبه الكريم، اذا نقصت غلة السودان من مياه النهر ستكون كارثة انسانية، السودان مثل مصر يعيش على النهر، حياة شعبه مرتهنة بانسياب النهر من الهضبة الاثيوبية، والجار الاثيوبى سادر فى ملء السد لا يأبه بالاحتجاجات المصرية السودانية، ويتملص من الاتفاقيات التاريخية، ويعطل المفاوضات توالياً، كلما مدت مائِدة مفاوضات تحت رعاية الاتحاد الأفريقى، انفضت فى التو واللحظة، ليس هناك جديد يقدمه الجانب الاثيوبى سوى المماطلة حتى يكتمل بناء وملء السد.

فى هذا السياق، يستحق الموقف السودانى القوى فى تماهيه مع الموقف المصرى الصلب فى مواجهة العنت الإثيوبى تحية من شمال الوادى إلى جنوبه..

الاستفاقة السودانية على وقتها، والموقف التعاضدى المصرى السودانى، يشد بعضه بعضاً، مستوجباً توحيد المواقف، فالمفاوضات على شفا جرف هارٍ، الخطر ماثل، والجانب الإثيوبى سادر فى تعبئة السد، لا يلوى على شىء من مصير مشترك لدول الحوض، أو يرعوى لمائِدة مفاوضات بلغت «ماراثون» قوامه عقد من السنين.

لأسباب يطول شرحها، وطويت صفحتها، تأخر السودان عن المطالبة بحقوقه المائية التاريخية والقانونية، وحماية سدوده التى يهددها السد الإثيوبى، شرق السودان تحت وطأة السد، وإذا لم تتوفر عوامل الأمان كاملة هناك خطر يهدد الحرث والزرع والنسل.

نفرة السودان الهصورة مصحوبة بموقف مصرى ثابت وصامد منذ أول لحظة، يقينا سيغير الموقف الموحد معادلات الاتحاد الأفريقى تماماً، لم يعد الصراع على الحقوق المائية فى مياه النهر الأزرق مصرى/ إثيوبى، كما عمدت الدبلوماسية الإثيوبية تصدير دعايتها إلى العالم بفصل مصر عن السودان، وزعم رضاء السودان عن السد، بل صارت ثلاثية الأطراف، مصر والسودان فى جهة متضررين تماماً، وإثيوبيا متعنتة فى جانب، شعب وادى النيل بأسره متضرر من هذا السد الذى بُنى على باطل، مخالفاً لكل المواثيق والاتفاقيات الدولية.

حصار إثيوبيا (مصرياً وسودانياً) دبلوماسياً هو مؤسس قانونى من موجبات الحالة التى باتت عليها المفاوضات الثلاثية، والإخفاق الحادث فى جولات التفاوض يستوجب نفرة الاتحاد الأفريقى لجبل إثيوبيا على التعاطى الإيجابى مع المقترحات المطروحة على طاولة التفاوض وأقرها البنك الدولى والولايات المتحدة الأمريكية، وبسند عالمى فى مجلس الأمن.

لا يزال الموقف الإثيوبى يراوح مكانه، ولا يتزحزح قيد أنملة بفرض سياسة الأمر الواقع والتمادى فى دخول المرحلة الثانية من ملء السد دون اعتبار لتحسبات دول المصب، أو للطاولة الأفريقية التى مدها مجلس الأمن وينتظر المخرجات.

محاولة إعادة العجلة إلى الوراء وتفويض خبراء الاتحاد الأفريقى فنياً رفضتها مصر لأن كل الدراسات تمت، والمخرجات نضجت، والاتفاقيات حررت، وليت السودان يعوض رفضه التوقيع فى (واشنطن) بالتوقيع إلى جانب التوقيع المصرى على الوثيقة الأمريكية التى حررتها وزارة الخزانة الأمريكية بمعونة البنك الدولى لتعرية الموقف الإثيوبى الذى كثيراً ما تدثر بالموقف السودانى (قبلاً) قبل أن يستيقظ السودان على كارثة السد على حقوقه المائية، ومقدراته المصيرية وشعبه على شفا العطش.

الإثيوبيون استفادوا من ثورة يناير فى مصر بالبدء فى بناء السد بمباركة قوى داخلية (حمقاء) كادت لمبارك وهى تكيد لمصر، ومهدت الأرض لبناء السد، واستفادت تالياً من ثورة السودان على البشير، الاضطراب الذى حدث مكّن الإثيوبيين من تعلية السد على الرقاب.

أن تأتى متأخراً خير من ألا تأتى أبداً، صحوة سودانية متأخرة ولكن الوقت لم يفت، وتكاتف الشقيقين شمال وجنوب الوادى يكفل حقوق مصر والسودان التاريخية والقانونية فى مياه النيل الأزرق.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف