الرياض
إبراهيم العمار
مرُوج .. فيم تفكر أيها السارح؟
دخلت المقهى فرأيت رجلا ينظر إلى الخارج، كأنه يتأمل العالم خارج المحل.

جلست وكتبت وقرأت قليلا، والتفتُّ وإذا به لا يزال يحدق باستغراق تام.

ليتني أعرف ما يفكر فيه. هل امتلأ جوفه بالهم والغم؟ هل يفكر في دَين ثقيل؟ هل ندم على زواجه من تلك النكدية الفاتنة؟ ما يزال يحدق، لا يشعر بأي شيء أو شخص حوله، كأن هناك جسرا بين عينيه وتلك النقطة التي يركز عليها.

الباريستا يقرقع، الأدوات تقعقع، الطاحونة تطحن البن، الأنبوب يغلي الحليب، والأعين المنتظرة تتطلع بشوق إلى طلباتها التي تُعد، ولا ينتبه صاحبنا إلى إيقاع سيمفونية القهوة، إنه منغمس في تفكيره، غارق في عالمه.

أتمنى لو أن كل شخص تظهر لديه أحيانا فقاعة تفكير أعلى رأسه، لعلها تفصح عن غدرٍ قادم يختبئ خلف لطفٍ زائف، أو تنبئ عن حزن عميق وراء ابتسامة سعيدة، وقد تخبر عما يدور في عقل صاحبي: هل يرغب أن يبث أحدا أحزانه؟ هل ضاق صدره من الوحدة الخانقة ويريد ضمة من إنسان أو حتى أذنا تنصت؟ هل يريد صوتا حانيا يطمئنه أن كل شيء سيكون على ما يرام؟ ممكن.

وربما كل هذا أبعد شيء عن الحقيقة. لعله أتاه مال كثير ويفكر كيف يصرفه أو يستثمره. ربما توسعت تجارته ويخطط أن يفتح محلات جديدة وكيف يستقطب أيدٍ موهوبة. هل احتار بين عرضٍ وظيفي ممتاز وآخر يماثله؟ هل أتاه توأم من المواليد ويفكر فيما يسميهما به؟ ممكن.

ويمكن ألا يفكر في أي شيء لا سلبي ولا إيجابي، بل لا شيء إطلاقا، فد يكون محاطا بالمشاغل والإزعاج طيلة أيامه وأتته لحظة يقدر فيها أن يفرغ عقله ولا يشغل باله بأي شيء إطلاقا.

ها قد خرج الآن من المقهى، وقد حيرني، لا أدري أيها السارح أترغب في المواساة أم التهنئة أم اللامبالاة؟!
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف