عبدالرحمن سلطان السلطان
صيد .. هل تشع المكتبات من جديد؟
تسعدنا خطوات "وزارة الثقافة" المتتالية، وتزيدنا ثقةً بمستقبل مشهدنا الثقافي، ومنها "مبادرة تطوير المكتبات العامة" بمفهوم ثقافي شامل، التي قد تكون مدخلنا الأمل لإعادة بعث المكتبات العامة من جديد، بدلاً من واقعها وسباتها الحالي الذي لا يسر، والمحدود بكتبٍ عتيقة وخدمات محدودة.
المبادرة التي أعلن عنها سمو وزير الثقافة الأمير بدر بن عبدالله آل سعود قبل أشهر قليلة تعتمد على تحويل المكتبات العامة إلى مركز ثقافي متكامل، يحتوي على منصات متعددة لأنماط ثقافية متنوعة، من مكتبة ومسرح وشاشات عروض مرئية وقاعات موسيقى وتدريب وغيرها، تكون مشعلاً ثقافياً للمنطقة المحيطة، وهو باختصار ما كان يحلم به رواد المكتبات العامة منذ عقود.
أتردد على المكتبات العامة منذ ثلاثة عقود في الرياض وجدة وحريملاء، وكنت أجدها مساحة مهيأة للنجاح ولكنها للأسف بقيت عقوداً طويلة بلا تطوير ولا اهتمام حقيقي، رغم انتشارها في كافة أنحاء المملكة، لكنني اليوم مبتهج بهذه الخطوة المميزة، التي تؤكد أن تطوير المكتبات هي إحدى أهم خطوات ترويج الثقافة، وجعلها قريبة من متناول المجتمع.
من المهم أن تشتمل المبادرة على تطوير المكتبات العامة القائمة حالياً، وليس فقط إنشاء مكتبات جديدة وتجاهل السابقة، بإشراف هيئة المكتبات، مع ضرورة التركيز على أوعية المعلومات الرقمية لجذب جيل الشباب، وأن يواكب ذلك مبادرة من الوزارة لرقمنة الإنتاج الأدبي والفني السعودي ومختارات من عيون الأدب والفنون العربية والعالمية، أيضاً تحويلها إلى مركز جذب للشباب عبر توفير شبكة الإنترنت مجاناً لأعضاء المكتبة، أو منح ميزة الاستفادة من مرافقها للمناسبات خاصة، ونحو ذلك من الخدمات التي تجعل الشباب يقترب أكثر من المكتبة، ويعتبرها جزءًا من أسلوب حياته وبرنامجه يومه.
من الضروري إشراك الشباب في انتقاء الكتب ومصادر المعلومات التفاعلية ومنصات ألعاب الفيديو، وبالذات في ما يطلق عليه "أدب اليافعين"، الذي للأسف نعاني من فقره الشديد في المكتبة العربية مقارنة بالأدب الناطق باللغة الإنجليزية أو اللغة الأسبانية، ويحتاج مبادرة من هيئة الأدب والنشر والترجمة نحو تعزيز ونشر هذا الأدب، حتى نتمكن من إعادة شبابنا نحو القراءة والتفاعل مع الأوعية الأدبية التي تجذب اهتمامهم.
مبادرة تطوير المكتبات العامة رائعة ومهمة، ولكي لا تتحول إلى مجرد أحلام نتأمل تحقيقها لا بد من وجود خطة واضحة، وأن يُشرك المثقفون والمستفيدون من خدماتها في خلال مراحل التخطيط والتطوير، مما يساهم بنجاح الفكرة وتحويلها إلى واقع يحقق تطلعاتنا، ولعل الانتهاء من إنجاز بعض المكتبات المطورة خلال العام الحالي - بمشيئة الله - يساعد على اختبار الفكرة ومدى نجاحها، حتى يمكن تطويرها ونشرها في كافة أنحاء المملكة، ويحقق تطوير المكتبات هدفه الرئيس بتحول المكتبة العامة إلى منارة ممكّنة للإثراء الفكري والتنمية الثقافية في المناطق.