الوطن
وائل لطفى
٢٥ يناير.. رؤية ثالثة
التحليل الذى ستحمله السطور القادمة لن يعجب الطرفين.. لن يعجب الذين يرون أن يناير مؤامرة مؤكدة.. ولن يعجب الذين يرونها ثورة شعبية كاملة تم قمعها فيما بعد.. ولكنه مجرد تحليل لا يستند إلى شىء سوى إلى مشاهدات وخبرات متراكمة فى سنوات ما قبل يناير التى كنت فيها شاباً أتحرك وأستشعر وأقرأ وأحلل وألتقط ذبذبات ما يحدث ولا يقال.. وما يقال على الألسنة ويعكس ما فى الصدور، وما يقال على ألسنة المعارضة بينما هو تعبير عما فى صدور بعض أطراف الحكم فى مصر.

المقصود بأن يناير كانت (ثورة مصر ضد نفسها).. معنى مزدوج أو معنيان؛ المعنى الأول أن يناير كانت تعبيراً عن ضيق بعض المراكز فى الدولة المصرية بما آلت إليه الأوضاع فى السنوات العشر الأخيرة، وبالذات عن تصاعد الأحداث منذ ٢٠٠٥ حيث بدت صحة مبارك فى تراجع مستمر، وبدأ نفوذ أسرته فى الازدياد المزعج، وبدأت مخططات بيع القطاع العام وأصول الدولة المصرية، وبدا أن هناك روائح فساد تزكم الأنوف.. والأخطر أن السؤال عن مستقبل الدولة المصرية بدا بلا إجابة.. فمبارك لا يعين نائباً ولا خليفة له لأن أسرته تضغط عليه كى يعهد بالحكم لابنه، وهو أيضاً لا يستطيع أن يعلن أن ابنه سيخلفه تحسباً لغضب مؤسسات الدولة المصرية التى لم توافق أبداً على التوريث ولم تقره ولا تعترف به.. وهكذا ظهرت أصوات من قلب الدولة المصرية يحظى «مبارك» بكامل ولائها، ومع ذلك كانت ترى أن ظروف الرجل الصحية والنفسية لا تسمح له بالاستمرار فى الحكم، وأن وراثة ابنه له ضرب من ضروب الإهانة لهذه المؤسسات ولصلاحياتها فى إدارة البلاد.. انعكس هذا الغضب فى ظهور حركات معارضة لم تشهدها مصر طوال ربع قرن من حكم مبارك، وفى رفعها مطالب صريحة حول عدم التمديد لمبارك وعدم التوريث لابنه، وفى ظهور صحف مستقلة مثل «صوت الأمة» و«الدستور» رفعت شعار مناهضة التوريث وناقشت قضايا مثل صحة مبارك ومستقبل الحكم فى مصر.. ولم ير أحد أن هذه الصحف تعرضت للبطش أو للإغلاق أو لأى تضييق وكان هذا نابعاً من عاملين.. أولهما ثقة مبارك الزائدة فى استقرار حكمه، وثانيهما أن هناك من كان ينصح بأن وجود هذه الصحف والحركات مفيد فى عملية التنفيس عن الغضب كما هو مفيد لصورة مصر فى الخارج.

فى نفس الوقت كان ثمة ارتفاع فى درجة حرارة الاعتراض نتيجة عوامل مختلفة منها الدعم الغربى لحركات الاعتراض المدنى والترويج لنماذج الثورات البرتقالية فى أوروبا الشرقية، وظهور عناصر انتهازية رأت أن مكاسب العمل السياسى فى سنوات مبارك الأخيرة أكثر بكثير من خسائره.. لكن هذه العناصر الانتهازية والمرتبطة بدوائر السياسة والأمن فى الغرب لم تكن كل شىء.. كانت هناك قيادات تاريخية لليسار ومصريون عاديون حالمون بالتغيير وشبان مصريون يتحركون فى دوائر الإخوان وإن لم ينتموا لهم.. وكان هناك أيضاً شرائح جديدة أضيفت للطبقة الوسطى فى السنوات العشر الأخيرة من حكم مبارك.. شرائح متعلمة.. تطالع وسائل الإعلام الغربية ووسائل التواصل الاجتماعى التى كانت وافداً جديداً على المجتمع فى تلك الأيام.. هذه الشرائح لم تشعر أنها مدينة لمبارك ولا للدولة المصرية بشىء.. من هذه الفصائل المختلفة وبفضل الأداء الساخن للقنوات التى يملكها رجال أعمال غير راضين عن وضعهم فى تركيبة التوريث.. وبفعل التفاعل بين هذه العوامل كلها وحالة التسخين ذات السبب المحلى والدولى ظهر تفاعل يناير.. شاركت كل العوامل السابق ذكرها وتحولت المظاهرة إلى ثورة لأن القوات المسلحة قررت ألا تتدخل ضد المتظاهرين، وبالتالى أصبحت شريكة فيما يحدث.. وهكذا توافقت رغبات أكثر من طرف على الرغبة فى التغيير، ولكن هذا لم يكن كل شىء.

(التتمة الأسبوع القادم)
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف