جلاء جاب اللة
الخازندار يسأل.. وهشام بركات يجيب!!
الخازندار هو القاضي أحمد الخازندار.. اغتاله التنظيم السري لجماعة الإخوان المسلمين في مارس 1948 بعد أن حقق في قضية تفجير سينما مترو والتي أدين فيها عضو بجماعة الإخوان.. فكان الانتقام منه باغتياله وكان أول اغتيال بيد التنظيم السري للجماعة بعده بعدة شهور اغتيل حكمدار بوليس القاهرة آنذاك سليم زكي وبعده بأيام اغتيل محمود فهمي النقراشي رئيس الوزراء ووزير الداخلية آنذاك بعد ان اتخذ قرارًا بحل الجماعة والقبض علي عدد كبير من اعضائها لتزايد حوادث العنف والإرهاب التي تقوم بها الجماعة وتنظيمها السري.
ولم يتوقف عنف الإخوان عند ذلك خاصة ضد القضاء بل حاولوا نسف مبني محكمة الاستئناف بباب الخلق بالقاهرة وحاول حسن البنا مؤسس الجماعة أن يبريء نفسه ويبريء الجماعة من هذا الحادث أو تلك الحوادث الإرهابية فكتب مقاله الشهير "ليسوا إخوانا وليسوا مسلمين"..!!
.. وهشام بركات هو الشهيد الأخير.. وآخر رجال العدل والقضاء من ضحايا الإرهاب الأسود في مصر.. استشهد في حادث اغتيال قبل احتفال مصر بذكري ثورة 30 يونيه بيوم واحد.. وهي الثورة التي أطاحت بأحلام الإرهاب الإخواني في حكم مصر للأبد!!
.. ولأن الخازندار هو أول رجل عدل وقضاء تغتاله يد الإرهاب الأسود باسم جماعة الإخوان.. ولأن هشام بركات هو آخر رجل عدل وقضاء اغتالته يد الإرهاب الأسود والمتهم الأول فيها هو الإخوان.. فإنني اتخيل أن الخازندار استقبل بركات في الدار الآخرة.. وكما قالت ابنته فإنه سيفطر كصائم شهيد في الجنة فلعلهما التقيا علي مائدة افطار في الجنة.. وكان حوارا بين أول شهيد وآخر شهيد اغتالتهما يد الإرهاب الإخوانية بسبب العدالة.
الخازندار يسأل بركات: ألم تكن تتوقع هذا الاغتيال؟.. ويواصل: عندما اغتالوني لم نكن نتوقع مثل هذا من جماعة ترفع شعار الإسلام أما الآن فقد كنت في صدارة قائمة المهددين بالاغتيال؟
بركات يجيب: وهل يلغي الحذر.. ما قدره القدر؟ انه القضاء والقدر وقد نفذ أمر الله وأنا به راض والحمد لله أنني شهيد العدالة في رمضان الكريم واغتالوني وأنا صائم.. والله وحده يعلم أنني ما سعيت إلا إلي رضا الله وحده.
الخازندار يسأل: لكنك لم تجب علي سؤالي.. ألم تكن تعلم أنك علي صدارة قائمة الاغتيالات المتوقعة؟
هشام بركات يرد: كنت أعلم.. وكان الكل يعلم ذلك ولكن قدر الله وما شاء فعل.
الخازندار: أشعر أنك لا تريد أن تتحدث عن خلل في تأمينك والذي تسبب في الحادث؟
بركات يرد: بالعكس لابد أن نتحدث في هذا الأمر حتي لا يتكرر.. فالإرهاب الأسود لا يعرف إلا القتل والاغتيال والتدمير ولابد أن نواجهه من خلال استراتيجية متكاملة وليست أمنية فقط وأنا أعرف ماذا تقصد؟ تريد أن تقول إن هناك خللا في التأمين.. وهذا ما سيحدده التحقيق وأنا كرجل عدل لا استطيع أن استبق النتائج إلا بعد تحقيق عادل وشامل ستقول لي وكيف تقف سيارة مفخخة بها حوالي 400 كيلو جرام متفجرات في طريقك المعروف يوميا وكيف لا يكون هناك تأمين شامل لخريطة سيرك وكذلك خريطة سير كل المهددين بالاغتيال.. سأقول لك قد يكون هناك تقصير ولابد من تحديد المقصرين ومحاسبتهم والأهم كيف نعالج هذا التقصير.
سكت الخازندار وقد سالت دمعة من عينه وهو ينظر إلي الأرض ثم سأل بركات: وكيف حال مصر الآن وانت رمز العدالة تغتال بيد الإرهاب؟
انتفض بركات بقوة وقال دون تفكير: مصر بخير.. مصر إلي الامام.. مصر تعود.. ولن تتأثر باغتيال شخص حتي لو كان هو الرجل الأول المسئول عن العدالة.. فالعدالة ليست رجلا بل نظام وقانون وتنفيذ للقانون بعدالة وشفافية.. مصر تعود بقوة ولا ترضخ للإرهاب أبدًا...!!
ثم يواصل: ألم تتابع جنازتي.. ألم تشاهد الغضب والاصرار والتحدي في وجوه كل المصريين قد يذهب شهيد وآخر.. ولكن مصر ستبقي وستصمد وستعود أقوي مما كانت.
الخازندار يسأل: وهل نتهم الإخوان في هذه الجريمة؟
بركات يرد: هم المتهم الأول.. وكما قلت لك لن أتسرع في الاتهام ولكنهم تاريخيا مسئولون عن قائمة طويلة من الاغتيالات أو محاولات الاغتيال بداية منك أنت أيها القاضي الكبير.. فثقافة الاغتيال هي واحدة من أهم أدبياتهم وافكارهم وهم أيضا من هدد بذلك.. وهم أيضا الشامتون في الاغتيال ولا أدري هل يستقيم الادعاء بالدفاع عن الإسلام.. والشماتة في الموت؟.. المهم أن كل القرائن تشير إليهم.. ولكن التحقيقات في النهاية هي التي ستحدد من هو المتهم ومن هو الجاني القاتل.. ومن وراءه؟
الخازندار: ولكن هناك منظمة ادعت انها المسئولة عن الحادث ومقرها في الجيزة.
ابتسم بركات لأول مرة ابتسامة يملؤها المرارة وقال: ومتي كانوا صادقين؟ كلهم واحد من الإخوان إلي نصرة الإسلام إلي أنصار بيت المقدس حتي القاعدة وداعش كلهم واحد وكلهم يسير علي نفس الدرب.. وكلهم بقصد أو بدون قصد ينفذون خطة ضد الإسلام والمسلمين وهم يزعمون أو يتوهمون علي أحسن تقدير أنهم يدافعون عن الإسلام..!!
يقاطع الخازندار غاضبا: وهل هناك من يصدق حتي الآن ذلك سواء خارج مصر أو داخلها؟
يرد هشام بركات بهدوء: نعم.. خارج مصر يريدون أن يصدقوا ذلك لأنهم ضد الإسلام وضد المسلمين ومع أي شيء يشوه صورة الإسلام والمسلمين.. أما في الداخل فإما جاهل أو مغيب أو ضال عن الحقيقة. وكلهم تخدعهم شعارات الإسلام السياسي متناسين أن من اغتال عثمان بن عفان وهو من هو في الإسلام قال بعد أن قتله: "قتلته لله"..!! وأن من اغتال علي بن أبي طالب ادعي أنه يدافع عن الإسلام.. وهذا هو حال كل من يحاول استغلال الدين سواء عن جهل أو قصد أو حتي بحسن نية.. يسود صمت طويل بين الاثنين وكلاهما سعيد بالجنة.. داع لمصر بالخير وهو في جنة الرضوان.. حتي قطع الخازندار حبل الصمت متسائلا وموجها سؤاله لهشام بركات: وما هو الحل؟ وكيف الخلاص... وإلي متي؟
بنظرة حاسمة وهدوء القاضي يرد هشام بركات: الحل في العدل.. الحل في تنفيذ العدالة بشفافية ومساواة.. الحل في أن نطبق الإسلام الوسطي الحق... إسلام الاعتدال في معاملاتنا وتصرفاتنا وكل أحوالنا.. الحل في أن تكون لدينا استراتيجية متكاملة لتحقيق المواجهة الحقيقية مع الإرهاب.. كل ارهاب سواء كان إرهاب السلاح بالعنف والتدمير والاغتيال.. أو إرهاب الفكر بالتضليل والخداع ولوي الحقائق والفكر الضال المضل.. حتي إرهاب الفساد.. وإرهاب الاستغلال لابد من استراتيجية كاملة اساسها العدل والحق وجدرانها المساواة والشفافية وحق الانسان في أن يعيش حياة كريمة.. وسقفها هو الدين الحق الوسطي المعتدل.. الدين كما نزل علي محمد صلي الله عليه وسلم بلا تأويل أو تفسير لهوي في نفس من يريد التأويل والتفسير.
يقاطعه الخازندار: وكيف الخلاص؟
يرد بركات: بارادة الله.. ودائما ارادة الله مع الناس إذا اجتمعوا علي الخير والتقوي.. فالخلاص في داخلنا إن أردنا أن نتخلص فلابد أن يكون للناس جميعا موقف واحد..!!
تخلص الشعب من الإخوان بخروجه يوم 30 يونيه لذلك فإنني غاضب جدا لالغاء احتفالات 30 يونيه.. كان من الممكن أن تؤجل لما بعد الحداد.. كان من الممكن أن نؤجلها حتي يتم القصاص العادل "ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب".
ويسأل الخازندار بهدوء: وإلي متي سنظل في هذه الدائرة؟
يرد هشام بركات: الإرهاب لا وطن له ولا دين ولن ينتهي.. فمنذ قتل قابيل أخاه هابيل والاغتيال والعنف مستمر في الحياة ولن يتوقف لكنه قد يقل ويضعف إلي درجة كبيرة جدا وهذا ما يمكن أن يتحقق باستراتيجية كاملة متكاملة كما قلت.. استراتيجية لا تعتمد علي الأمن وحده ولا علي الحلول السياسية فقط... بل استراتيجية كاملة بكل عناصر الحياة... وكل مقومات الدولة.
.. كان هذا حوار من الخيال بين أول شهيد لإرهاب الإخوان من أهل القضاء وآخر شهيد لإرهابهم من أهل القضاء لكن الحوار مازال مستمرا..
فاللهم اجمعنا بهم في جنة الخلد.. آمين
واحشرنا مع الصديقين والشهداء وحسن أولئك رفيقا..!!