عماد الدين حسين
ما فعله مُعلق مباراة مصر والدنمارك!
أرجو أن يشكّل وزير الرياضة والشباب، والمجلس الأعلى للإعلام لجنة لدراسة الطريقة التى كان يتحدث بها الأستاذ خالد خيرى، معلق مباريات مصر ببطولة كأس العالم لكرة اليد، المقامة فى مصر خصوصا المباراة الأخيرة ضد الدنمارك، حتى نعرف، هل هى مفيدة، فنطلب من كل المعلقين أن يقلدوه، أم مدمرة، فنتوقف عنها فورا؟
كنت أعتقد أننى الشخص الوحيد المتأذى من هذه الطريقة، حتى اكتشفت أن كثيرين غيرى يشاركوننى نفس الرأى.
لمن لم يشاهد المباراة فإن خيرى، كان يعلق على المباراة وكأنها ليست ضد خصم فى كرة القدم، بل ضد عدو فى معركة حربية.
وللموضوعية فإن خالد خيرى ليس الوحيد الذى يفعل ذلك، بل يكررها الكثير من المعلقين، فى كل اللعبات خصوصا كرة القدم، لكن خيرى طوّر فى الأسلوب بحيث فاق وبزّ كل أقرانه.
ليس عيبا أن تشجع فريق بلدك، لكن شرط ألا تحول الأمر إلى صراخ وخلط لا يجوز بين الدين والرياضة.
عقب المباراة تلقيت اتصالا من خبير رياضى كبير، وقال لى: «أولا نحن الذين ننظم ونستضيف البطولة، وفريقنا قدم مستويات عالمية متميزة فى الدور الأول الرئيسى، فما الداعى أن يحول المعلق الأمر إلى خناقة وحرب وصراع واستظراف ممجوج؟! هذه طريقة تؤدى إلى واحد من طريقين قاتلين: الأول هو الإعجاب الزائد بالنفس، أو خداع النفس.
هذا النوع من المعلقين يصور للمشاهدين، أن الخصم الذى نقابله إما إنه تافه وضعيف جدا، بحيث نستهين به، أو إنه عملاق جدا، ولا نستطيع أن نواجهه، وكلا الطريقين يقودان إلى المهالك، لأنه ببساطة سيجعل وعى الناس شديد الهشاشة والعاطفية والحماسية بدلا من مخاطبة عقول المشاهدين بالعلم والأخذ بالأسباب.
كان أمام هذا المعلق أن يتحدث بوضوح عن قوة فريق الدنمارك بطل العالم، وأنه عندما يؤدى فريقنا بهذا المستوى العالى أمام هذا البطل، فهذا أمر مشرف جدا لنا.
أما أسلوب الدروشة الذى اتبعه طوال المباراة فضرره أكثر من نفعه. هذا المعلق كان يخاطب الله سبحانه وتعالى أن ينصر فريقنا قائلا له: «أنت الأمل فى أن ننجح فى تسديد ضربة الجزاء، وأن يفشل الفريق المنافس فى إحراز الهدف». وللمفارقة فإن الطلب لم يتحقق فى بعض المرات، وبالتالى فالسؤال الذى يحتاج تفكيرا هادئا هو: حينما يدعو المعلق الله لنصرة فريقنا فى أى مباراة ثم تنتهى بهزيمتنا، فهل معنى ذلك أن الله سبحانه وتعالى منحاز للفريق الأوروبى الآخر، أو أى فريق حتى لو كان إسرائيليا؟!
هل الأصح أن يتحدث المعلق ــ أى معلق ــ مع الله بالطريقة التى تحدث بها فى المباراة الأخيرة، أليس الأجدى أن يقول للمشاهدين إن الفائز والخاسر فى الرياضة أمر متعلق بعوامل موضوعية مثل المهارة والاستعداد واللياقة والتدريب والتخطيط وسائر الأجواء المحيطة بالمباراة والبطولة، وإنه يمكن لفريق مستعد غير متدين بالمرة، وليس مسلما أصلا أن يفوز على فريق غير مستعد حتى لو كان يقضى كل حياته فى الكعبة المشرفة قائما ومتعبدا ومتنسكا؟!
من عجائب هذا المعلق وغيره أنه كان يتحدث طوال المباراة إلى اللاعبين وكأنهم يسمعونه، بحيث إنه يوجههم إلى طريقة لعب معينة، والنتيجة النهائية لكلامه، تبدو وكأننا حاولنا أن نكسب هذا الفريق الخصم أو الآخر، ثم فشلنا. فى حين أن الأمر أكبر من ذلك، وهو أن فريقنا لعب مباراة كبيرة جدا أمام بطل العالم، وخسرنا بضربات الجزاء بعد وقتين إضافيين.
هو دائم البحث عن الاستظراف: «يا ولاد النيل أدائكو جميل، دودو يوفى بوعوده، الأبيض الدهبى والأحمر النارى، يا طيار نجوميتك قدر مش اختيار». قد يعجب ذلك البعض خصوصا بعض شرائح المجتمع الأقل تعليما، لكن التزيد فيه غير مستحب بالمرة، ويدفع كثيرين لإغلاق الصوت تماما، أو البحث عن معلق أجنبى إذا وجد!!
للأسف الشديد ما فعله هذا المعلق يفعله البعض فى مجالات أخرى كثيرة، والنتيجة أن استمرار هذه الطريقة، ستقود إلى دغدغة مشاعر الجماهير، وتسطيح عقولهم، وتجعلهم غارقين فى الخرافات والخزعبلات، وتصديق الإشاعات، بدلا من أعمال العقل فى كل الأمور المطروحة عليهم، والأخطر تشجيع الطريقة التى يتحدث بها المتطرفون والمتاجرون بالدين ويكسبون بها كثيرا؟!!
من المحزن أن يكون لدينا فريق مجتهد جدا مثل منتخب اليد، ينال احترام العالم كله، وجميع المصريين تقريبا، من أول رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء ووزير الرياضة إلى بقية الشعب، ثم نتفاجأ بمثل هذه النوعية من التعليق، التى تهدر كل ذلك، من أجل الغرق فى الخزعبلات والأوهام.